تشينشن، البلدة المزدهرة ذات التكنولوجيا الفائقة في الصين، فجرت مفاجأة لسكانها الذين يزيد عددهم عن 12 مليون نسمة هذا الأسبوع. فقد بدأت أعمال التشييد والبناء في ثلاث محارق ضخمة من صنع الدولة للتعامل مع الكمية الكبيرة من القمامة التي تنتجها المدينة يوميا. إحدى هذه المحارق الضخمة - التي تشبه قبة كرة القدم الأمريكية - سيكون أكبر مصنع لتحويل النفايات إلى طاقة في العالم عندما يتم افتتاحه في عام 2018م. ورغم أن فكرة المحرق الضخم ربما تبدو سيئة ومثيرة للمخاوف، إلا أنها في الواقع بشرى سارة بالنسبة لتشينشن، وبالنسبة للبيئة. قبل 30 عاما، عندما كان مستهلكو الطبقة المتوسطة لا يزالون نادرين، لم يكن ينبغي على الصين التعامل مع أحجام كبيرة من النفايات التي تنتج عن المجتمعات الغنية. لكن مثل أي شيء آخر في الصين، تغيرت القمامة، وبطريقة كبيرة. اليوم، تتخلص الصين (من حيث الوزن) من أشياء أكثر مما تلقي الولاياتالمتحدة، ما يجعلها أكبر دولة مولدة للنفايات في العالم. بحلول عام 2025، يقدر البنك الدولي بأنها سوف تلقي 1.4 مليون طن من النفايات يوميا - ما يقارب 3 أضعاف المعدل الحالي. المشكلة هي أن الصين تنتج بالفعل كمية نفايات أكبر بكثير من الكمية التي يمكنها التعامل معها بشكل آمن. في العام الماضي، قرر العلماء بأن الصين كانت أكبر دولة تسهم في دخول ملايين الاطنان من المواد البلاستيكية إلى المحيطات سنويا، من خلال عمليات إلقاء النفايات سيئة الإدارة (أو غير المدارة). حاول القيادة لتصل إلى ضواحي أي مدينة صينية وسوف تجد سلسلة من مكبات النفايات غير الرسمية التي تطلق جميع أنواع الروائح الكريهة غير القابلة للتدوير. ربما تكون تشينشن هي نقطة الصفر بالنسبة لهذه المشكلة. في عام 1979، كانت المدينة تنتج 50 طنا من النفايات الصلبة يوميا. الآن، تنتج 15 ألف طن يوميا. وأكوام النفايات فيها آخذة في الازدياد بنسبة 6.1 بالمائة سنويا. وهذا النمو ينتج عنه الكثير من المخاطر، وليس فقط المخاطر البيئية: في شهر ديسمبر، قتل عشرات الأشخاص عندما انهار موقع غير مرخص لطمر نفايات حطام البناء. من الناحية المثالية، قد تعمل تشينشن على إعادة تدوير مشاكلها والقضاء عليها. على مدى عقود، كان تجار الخردة الصينيون يجوبون شوارع المدن بحثا عن أي شيء قابل لإعادة استخدامه، وبذلك يحققون مساهمة ملحوظة في الحفاظ على المدن نظيفة. لكن صفوف العمال المهاجرين الذين تدفقوا إلى هذا النوع من الأعمال آخذ في التراجع. وحكومات المدن، بمراقبتها لأسعار العقارات، تعمل على دفع أسواق إعادة التدوير الصغيرة التي كانت تُمَكِّن هذه التجارة. الأهم من ذلك بكثير، وفي ظل وجود اقتصاد متباطئ، لا تستطيع الشركات المصنعة ببساطة استخدام أي شيء يجري إعادة تدويره: حيث إن العالم يعاني من زيادة في السلع، وهذا ينطبق على العلب والزجاجات أيضا. لا يزال دفن النفايات له مكانه، لكن حملة الصين نحو المناطق العمرانية تعني أن مكب النفايات البعيد اليوم هو مصدر الإزعاج الحضري غدا. وهذا ما حدث في تشينشن، حيث تم توسيع نطاق أحد المدافن الرئيسية ست مرات وهو الآن محاذٍ لأبراج للشقق مبنية حديثا، حيث يشتكي السكان من الرائحة بشكل كبير. في الوقت نفسه، تبدي الحكومة المركزية اهتمامها المتزايد بخفض تلوث التربة، ما يحافظ على الأراضي الصالحة للزراعة وضمان الأمن الغذائي على المدى الطويل. لا تساعد مدافن القمامة في تحقيق أي من تلك الأهداف. وهذا يُبقي أمامنا عملية الحرق. في السنوات الأخيرة، تسببت المحارق في خروج احتجاجات وأعمال شغب بين الشعب الصيني القلق إزاء صحته وممتلكاته. ولديهم وجهة نظر: حيث إنه تاريخيا، كانت محارق النفايات في الصين خطيرة بيئيا. لكن في الآونة الأخيرة، كانت المدن مثل شنغهاي تحاول محاكاة (واستيراد) المحارق المتقدمة والآمنة بيئيا التي تحول النفايات إلى طاقة والتي تعتمد عليها أوروبا واليابان. والمشاريع قيد التنفيذ في تشينشن تتبع ذلك النمط. وفقا للحكومة المحلية، سوف تتجاوز بالفعل مقاييس الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي. وهذا أمر يستحق الثناء. لكنه لا ينبغي أن يكون نهاية النقاش. حتى يكتسب الحرق قبولا أوسع نطاقا، سيتعين على الحكومات المحلية أن تكون أكثر شفافية. وانتظار الإعلان عن مشروع لمكان حرق جديد حتى بعد أن يتم البدء بأعمال البناء والتشييد - كما في تشينشن- لا يكون أمرا مجديا. للتأكد من أن عملية الحرق لا تقوض إعادة التدوير، ينبغي أن تقترن بما يسمى برامج الدفع من أجل التخلص، حيث يجري فرض ضريبة على السكان بحسب حجم النفايات التي يتخلصون منها. أخيرا.. ينبغي أن تستخدم الحكومة سلطتها الإدارية الكبيرة؛ لتشجيع بدائل استخدام الأكياس غير القابلة للتدوير، والتي تستخدم لمرة واحدة، والتي تعمل حاليا على سد مدافن النفايات والمجاري المائية في الصين. ليست هنالك أي طريقة سهلة للتخلص من مشكلة النفايات في الصين. لكن الحرق يعتبر خطوة ضرورية للتعامل معها.