قدم أكبر مسؤولين إيرانيين رؤيتين متناقضتين للاقتصاد في كلمتيهما بمناسبة السنة الفارسية الجديدة أمس، حيث دعا المرشد الأعلي علي خامنئي إلى الاعتماد على النفس، بينما حث الرئيس حسن روحاني على التعاون مع العالم. وفي كلمتيهما بمناسبة عيد النيروز تذكر خامنئي وروحاني العام المنصرم الذي شهد رفع العقوبات عن إيران بموجب اتفاق نووي مع القوى العالمية واتفقا في الرأي بأن الاقتصاد ينبغي أن ينال الأولوية القصوى في السنة الجديدة. لكن في حين قال روحاني إن مزيدا من التواصل مع الدول الأخرى سيكون شرطا أساسيا للنمو الاقتصادي أعاد خامنئي التأكيد على التزامه بما سماه مبدأ "اقتصاد المقاومة" المرتكز على الاكتفاء الذاتي. وتسلط الرسالتان المتناقضتان الضوء على الخلافات بين المسؤولين الكبيرين اللذين يلتزم كل منهما بمبادئ "الجمهورية الإسلامية"، لكن مع أفكار متباينة عن سبل الانخراط في الاقتصاد العالمي وبشكل خاص مع القوى الغربية. رؤيتان وقال روحاني في اليوم الأول للسنة الفارسية 1395 "أنا على ثقة من أنه عن طريق التعاون والجهد المبذول داخل الدولة والتواصل البناء مع العالم فإن بمقدور اقتصادنا الازدهار والتطور في الوقت الذي أعلن فيه خامنئي سنة 1395 سنة "اقتصاد المقاومة-العمل والتطبيق" وقال إن على إيران أن تأخذ خطوات للحد من تأثرها بخطط "الأعداء" في إشارة إلى الولاياتالمتحدة وحلفائها. ودأب خامنئي البالغ من العمر 76 عاما، ويعد أعلى سلطة في إيران على التحذير من السماح بأي شكل من أشكال النفوذ الغربي داخل البلاد، وقال في الآونة الأخيرة إن الاقتصاد لم يستفد من سيل مبعوثي الشركات الغربية الذين توافدوا على طهران. من جهته قال روحاني المعروف بمناصرته للاتفاق النووي الذي أسفر عن رفع العقوبات في يناير المنصرم، إن الشركات من كل الدول محل ترحيب لدخول السوق الإيرانية ما دامت تستعين بالعمال الإيرانيين وتجلب التنمية الاقتصادية إلى البلاد. وكان حلفاء الرئيس روحاني قد أحرزوا مكاسب كبيرة في الانتخابات البرلمانية الشهر الماضي، قد تساعده على المضي قدما في إصلاحات اقتصادية لاستقطاب المستثمرين الأجانب. لكن خامنئي ومجلس صيانة الدستور المؤلف من رجال دين محافظين يملكان حق النقض على كل التشريعات. وتعكس رسالتا "المرشد" الإيراني ورئيس البلاد رؤيتين متناقضتين تبينان بشكل جلي أوجه الخلافات بين أكبر مسؤولين في إيران، وان كان كلاهما ينتميان لفكر واحد أو مدرسة واحدة، لكنها في حقيقة الأمر تبرز أفكارا متباينة عن سبل الانخراط في الاقتصاد العالمي وبشكل خاص مع القوى الغربية. وكانت إيران رفضت تجميد إنتاجها من النفط عند مستوى يناير الذي قدرته مصادر ثانوية في أوبك عند 2. 93 مليون برميل يوميا، إذ ترغب طهران في العودة لمستوى أعلى من الإنتاج كانت تحققه قبل فرض العقوبات الدولية عليها. وتعمل إيران على استعادة حصتها السوقية، لا سيما في أوروبا، بعد رفع العقوبات الدولية عليها في ينايرالماضي، وكانت العقوبات أدت لخفض صادرات الخام الإيراني من أعلى مستوى عند 2. 5 مليون برميل يوميا قبل 2011 إلى ما يقرب من مليون برميل يوميا في السنوات الأخيرة. الدعم الحكومي ويرى معارضون إيرانيون أن خط الفقر وحسب اعلان مصادر النظام الإيراني نفسه بلغت أكثر من 3 ملايين تومان في الشهر. ولكن العوائد التي تم تحديدها كأساس لشطب الدعم هو أقل من خط الفقر وأقل من 3 ملايين تومان. ومعنى ذلك أن ملايين الأشخاص الذين عوائدهم تحت خط الفقر يحرمون من الدعم الحكومي. ويقول هؤلاء المعارضون: إن النظام الإيراني يقتطع سنويا مبلغ 13 ألف مليار تومان أي ما يعادل قرابة 4 مليارات دولار من الدعم الذي يفترض أن يكون حقا للمواطنين، قائلين إنه يذهب مباشرة في حسابات مصرفية لمسؤولين أو أبناء الذوات وأفراد الحرس أو يصرف للقمع وللأجهزة القمعية، أو يصرف لتصدير القنابل والارهاب الى سورياوالعراق وغيرها من الدول، أو يصرف للمشاريع الصاروخية نظرا الى أن بوتقة النووية تم غلقها، . وجاءت انتقادات المعارضين هذه بعدما قررت لجنة الدمج في البرلمان الإيراني في آخر آيام عملها في عام1994 أن تحذف الدعم الحكومي لطيف واسع من المواطنين هناك يشمل 24 مليون نسمة. وقال تلفزيون النظام حينها أثناء اعلان الخبر ان الدعم النقدي لثلاث فئات أصحاب الدخل العالي سيتم حذفه حيث يشمل "جميع مستلمي الرواتب والمعاش في القطاع الحكومي وغير الحكومي ممن تكون مبالغهم المتقاضاة سنويا أكثر من 35 مليون تومان". وأثير دفع الدعم النقدي عندما أراد النظام زيادة أسعار الوقود بشكل نوعي وبعدة أضعاف. وفي هذا الصدد لجأ الى ما وصفه المعارضون للاحتيال والمراوغة حيث طرح كعلاج مسكّن أن يتم دفع جزء من العوائد الحاصلة عن زيادة أسعار الوقود كدعم نقدي للمواطنين وجزء آخر يتم دفعه كدعم انتاج للمنتجين. ولكن سرعان ما اختفى الدعم الانتاجي وتم ابتلاعه، وجاء الآن دور الدعم النقدي للمواطنين، في حين زادت أسعار مختلف أنواع الوقود وبتبعها زادت أسعار كل السلع بينما انخفض سعر الوقود في كل العالم الا الحكومة في ايران تجاهلت ذلك، وتم التعامل مع الدعم النقدي بشكل كأنّ المسؤولين يدفعون المال من جيوبهم كصدقات بين الناس. وبلغ حجم الديون الخارجية للنظام الإيراني خلال الشهر الماضي 5 مليارات و552 مليون دولار، بحسب المصرف المركزي. وأعلنت وكالة أنباء مهر الحكومية تقريرا يفيد بأن 5 مليارات و201 مليون دولار من هذا المبلغ طويلة الأمد و351 مليون دولار منه قصيرة الأمد. وقد أعلن في التقرير أن مجموع الديون إلى المصرف المركزي للقطاع الحكومي وغير الحكومي يبلغ ألف و920 مليار تومان ما شهد ارتفاعا يبلغ 18 بالمائة بالنسبة للسنة الماضية. وبحسب التقرير فان حجم السيولة في نهاية ديسمبر الماضي بلغت نحو 950 ألف مليار تومان، ما زاد 27 بالمائة مقارنة بنفس الموعد للسنة الماضية فيما كان حجم السيولة في مارس 2014 نحو 780 ألف مليار تومان. زيادة الصعوبات ويتفق قطاع واسع من المحللين الاقتصاديين على أن النظام "الثوري" منذ بدايته لم يف بالوعود التي أطلقها لمواطنيه، بل زادت الصعوبات الاقتصادية، كما أن رغبة الطبقة الحاكمة منذ بدايتها في السيطرة سياسيا واقتصاديا كانت أقوى من عجلة الإصلاح، ومثل صعود المؤسسة الأمنية العسكرية ممثلة في الحرس الثوري الذي سيطر على كل مفاصل الدولة، وكذلك أثر الحرب مع العراق، جعل الاقتصاد الإيراني رهينة هذه المؤسسة. وأخذ الاقتصاد الإيراني شكل "عسكرة الاقتصاد" عبر توجه سياسي في المقام الأول، ولكن نتائج هذا التوجه الاقتصادي كانت وخيمة وانتهت بأداء سيئ على الرغم من المواهب والكفاءة العلمية التي يعبر عنها كثير من الإيرانيين في الخارج من خلال حضورهم في مراكز أبحاث وجامعات مرموقة في الغرب. ووصل التضخم في إيران إلى 15 في المائة، بعد أن سجل تحسنا بسيطا على أثر محاولات حكومة روحاني، وتبلغ البطالة نحو 22 في المائة بين الشباب. في الوقت الذي بلغ فيه حجم الدين العام الداخلي حجم الدخل القومي، ما يرفع أسعار الفائدة والديون المشكوك في تحصيلها. وكان صندوق النقد الدولي نشر قبل عامين تقييمه عن الاقتصاد الإيراني واصفا إياه بالاقتصاد "الضعيف"، لكنه وصفه في الوقت نفسه بأنه في مرحلة النمو. وهذا أول تقرير ميداني لهذه المؤسسة المالية الدولية عن الاقتصاد الإيراني خلال السنوات الثلاث المنصرمة، مقترحا للحكومة الإيرانية الجديدة بأن تقوم بإصلاحات اقتصادية سريعة وجذرية للحد من الوهن الأكبر في البنية التحتية للاقتصاد الناجم عن العقوبات الدولية وسوء إدارة الحكومة السابقة وفقا للتقرير. ويعتبر هذا التقرير هو الأول من هذه المؤسسة المالية منذ تشديد العقوبات الدولية ضد إيران، حيث انطلقت العقوبات غير المسبوقة المصرفية والمالية الأوروبية والأمريكية ضد إيران منذ صيف 2012. الإصلاح الاقتصادي ويقول مارتن سريسولا، مدير قسم الشرق الأوسط وأفريقيا في صندوق النقد الدولي، في تقريره هذا حول أسباب الضعف البنيوي للاقتصاد الإيراني في الأعوام الماضية "أثرت الصدمات الهائلة وسوء الإدارة للاقتصاد الكلي خلال الأعوام المنصرمة على نمو الاقتصاد الإيراني"، ويضيف في تقريره إن الصدمات الناجمة عن تنفيذ المرحلة الأولى لمشروع "الدعم النقدي الهادف" والخطط الاجتماعية الطموحة الفاقدة لأي مصادر مالية ضرورية، وصعوبة الظروف المتعلقة بالنشاط الاقتصادي بسبب تشديد العقوبات أدت إلى إضعاف الاقتصاد الإيراني خلال الأعوام المنصرمة. ويقترح التقرير لحكومة روحاني أنه ومع الوضع الاقتصادي المشفوع بخطر شحة النمو (السلبي) والتضخم، يجب أن يقوم بإصلاحات جدية في الاقتصاد الإيراني كي يزيد من الاستقرار والاستثمار والكفاءة الاقتصادية. ولا تمكن الميزانية الصغيرة نسبيا إيران من توفير الأموال اللازمة للاستثمار، وهو ما يحد من فرص النمو للاقتصاد الإيراني، خاصة أن الأنظمة والمخاطر السياسية ليست في صالحه، وعلى سبيل المثال كشف بيجان زنقنة وزير النفط الإيراني أن القطاع النفطي والبتروكيماوي يحتاج إلى 200 مليار دولار في السنوات الثماني القادمة، في ظل الظروف المالية والسياسية لن يحدث ذلك. ويرى محللون اقتصاديون أن عملية الإصلاح في إيران مرتبطة بحيثيات الاقتصاد السياسي، حيث إن المؤسسة الأمنية الممسكة بإدارة الاقتصاد يجعلها تقاوم الانفتاح لأنها تخشى المنافسة، وذلك لأنها قائمة على سياسة استبدال الواردات والاحتكار وتبادل المراكز الشخصية بين المؤسسة والشركات الحكومية المهمة، وهو ما يجعلها مقاومة للانفتاح نحو العالم، كما أن الانفتاح سيزيد من متاعب الاقتصاد الإيراني في المدى المنظور لأن الصناعات الإيرانية لن تستطيع المنافسة أمام الشركات الصينية والكورية وغيرها. وأخيرا تظل معضلة الاقتصاد الإيراني في كون السياسة الإيرانية تعمل ضد مصالح إيران الاقتصادية، ولذلك فهناك حالة من عدم التوازن لن تستمر ولكن يصعب تحديد أفق زمني للتطورات المستقبلية.