كان هنالك الكثير من سجلات عمليات الاستحواذ والاندماج في عام 2015. وسواء كان المقياس هو حجم عمليات الاستيلاء، أو التقييمات، أو حصيلة عمليات الاندماج الضخمة، جميعها وصل إلى مستويات عليا جديدة. لكن إليكم واحدة من (طفرات الازدهار) التي ربما لم تسمع بها من قبل، وقد استمرت حتى عام 2016: يواصل منتجو جميع أنواع السلع غير التكنولوجية، بدءا من حمالات الصدر الرياضية إلى العلاجات المضادة للسرطان وأجزاء الطائرات، عمليات استحواذ مرتبطة بالتكنولوجيا لم تكن موجودة قط من قبل. من السهل إغفال هذا الاتجاه لأن معظم المعاملات لا تشمل أسعارا لافتة للانتباه (هذا إن كانت تشكل أخبارا على الإطلاق). والغالبية العظمى تبلغ تكلفتها أقل من 10 ملايين دولار أو أنه لم يتم الإبلاغ عن السعر. ومع ذلك، كان هنالك الكثير منها وهذا الكم الكبير يجعلها ظاهرة تستحق الذكر. أبرمت الشركات في الصناعات غير الرقمية بشكل تقليدي أكثر من 1600 صفقة تكنولوجيا العام الماضي، وفقا لدراسة أجريت من قبل الذراع الاستشارية لشركة (برايس ووترهاوس كوربز). وهذا يشكل تقريبا 50 بالمائة أكثر مما كان في عام 2011، النقطة المرجعية للدراسة. حتى نضع تلك الصفقة في المنظور المناسب، فإنها تشكل أكثر من العدد الإجمالي لعمليات شراء الأسهم الخاصة التي حصلت في عام 2015، وفقا لبيانات جمعتها بلومبيرج. بهذه المكونات الإضافية، تعمل الشركات في مجال الصناعات غير التكنولوجية على التهام شركات التكنولوجيا بوتيرة سريعة. فقط في الأسبوع الماضي، كان هنالك القليل من مثل هذه المعاملات: حيث وافقت عملاقة الصناعة (هوني ويل) على شراء موفيلايزر، التي تسمح منصة البرمجيات السحابية لديها للموظفين بالعمل من على بعد لتبادل وتحليل البيانات المتعلقة بنظام تكنولوجيا المعلومات القائم في الشركة. في اليوم التالي، أعلنت شركة سي سي إل للصناعات - الشركة المصنعة للعناوين لشامبو بانتين وجيل الاستحمام أكس وغيره من المنتجات - عن عملية شراء لأنظمة شركة (تشيكبوينت) من أجل التوسع في سوق "العناوين الذكية" التي نحركها التكنولوجيا. وتقوم شركة (تشيكبوينت) بتصنيع بطاقات تعريف ترددات الراديو التي تستخدمها شركات تجارة التجزئة لمتابعة أفضل للمخزون لديهم، وهو أمر أصبح إلى حد كبير مهما في الوقت الذي يقوم فيه البائعون بتسويق السلع في المتاجر وعبر الانترنت على حد سواء. تلك التعاملات - والعمليات الأخرى الكثيرة التي حدثت في العام الماضي- تعتبر منطقية جدا. حيث إنها تمثل التطور المنطقي لعالم يصبح فيه كل شيء بدءا من ممارسة التدريبات إلى موازين الحرارة "ذكيا" (خذ مثلا شركة فيتبيت، أو شركة نيست التي استحوذت عليها جوجل). بدلا من المخاطرة بالتخلف عن الركب، تبحث الشركات الذكية الفطنة عن طرق لدمج التكنولوجيا في منتجاتها الحالية وأعمالها التجارية منذ الآن. لنأخذ شركة جنرال إلكتريك. بموجب حسابات شركة برايس ووترهاوس كوبرز، اشترت الشركة الصانعة لأجزاء الطائرات وتكنولوجيا شبكة الطاقة واستثمرت في ما لا يقل عن 22 شركة رقمية منذ عام 2011. وتقول الشركة إن القسم الرقمي المستحدث فيها حقق إيرادات تقدر بحدود 5 مليارات دولار في عام 2015- ما يمكن أن يضعها على قدم المساواة مع شركات تكنولوجيا مرموقة بما فيها أنظمة أدوبي. ولم تنته شركة جنرال إلكتريك من عملها بعد. وتريد في نهاية المطاف إعادة اختراع نفسها كواحدة من أكبر شركات البرمجيات العشر في العالم. فكرة التحول هذه تجعل هذه الطفرة في عالم الاستثمارات الرقمية أمرا مختلفا تماما عن الجزء الأكبر من حجم عمليات الاندماج والاستحواذ التي تمت في عام 2015. والكثير من حركات وتعاملات العام الماضي - خاصة الكبرى منها - كانت مدفوعة بسعي نحو التوازن وإمكانية تحقيق وفورات كبيرة في التكلفة. إنها لفتة ساخرة أن تلك الصفقات التكنولوجية الصغيرة ربما تبذل المزيد من الجهود للحفاظ على الشركات ذات الصلة أكثر من الشركات الكبيرة المعروفة. بالطبع، كما يلاحظ محللو شركة برايس ووترهاوس كوبرز في دراستهم، تكون الاستثمارات في التكنولوجيا محفوفة بالمخاطر بالنسبة للشركات ذات الخلفية التكنولوجية الأقل. وأحد الأسباب وراء ذلك هو أنه يمكن أن يكون من الصعب العثور على الشركة المناسبة ذات التكنولوجيا المناسبة - حيث إنك تحتاج لشيء ما لم يتجاوز بعد أوج تطوره، لكنه أثبت أنه ليس خطرا كبيرا عليها. حتى شركات صناعة البرامج المعروفة تصاب بالتشوش أحيانا في هذه الأمور (لاحظ مثلا أن شركة هيوليت باكارد استحوذت على عدد كبير من الشركات التي لم تكن بحاجة إليها). الأهداف المختارة يمكن أن تكون مكلفة، خصوصا إذا دخلت شركات منافسة أخرى لتقديم عطاءات وعروض أكبر، وعندها يتعين عليك أن تعرف ما الذي يجب أن تفعله في الواقع بالتكنولوجيا التي قمتَ بشرائها وكيف تحصل على الناس الذين طوروها وتجعلهم يبقون للعمل لديك ومساعدتك. لكن الجانب السلبي لعدم الاستثمار في المستقبل يتغلب على أي من هذه المخاطر. وهذا الاتجاه العام ليس في سبيله إلى الاختفاء.