اليوم سوف أخرج عن سلسلة المقالات الاقتصادية للمنشآت التي درجت على كتابتها خلال الفترة الماضية وما دفعني إلى ذلك هو حاجة المجتمع الملحة لموضوع اليوم خصوصاً في ظل الظروف الاقتصادية والمالية التي نمر بها حالياً وأهمها انخفاض أسعار البترول. مقالي اليوم عن التخطيط المالي للتقاعد وهذا الموضوع في غاية الأهمية إذ ليس من الممكن أن يعمل الشخص طيلة حياته بجد وهمة ونشاط وفي نهاية الأمر عندما يبلغ من الكبر عتيا لا يستطيع أن يرتاح بل يحتاج للعمل وربما بشكل أكبر لتأمين لقمة العيش له ولمن يعيلهم وقد كنت الأسبوع الماضي في ورشة عمل حضرها رئيس جمعية المتقاعدين بمدينة جدة وتجاذبنا أطراف الحديث على هامش الورشة وهذه الجمعية يلتحق بعضويتها ما يقارب العشرة آلاف متقاعد بين رجال ونساء وحقيقة الأمر لقد هالني ما يحصل عليه المتقاعد من دخل شهري لا أعرف كيف يصرف به أموره. أولا قبل ان نتحدث عن التخطيط المالي للتقاعد يجب ان نحدد ما التخطيط المالي وماهي عناصره ، يتكون التخطيط المالي من عنصرين رئيسيين هما : 1- إعداد الموازنة التقديرية للعام القادم بحيث لا تتجاوز المصاريف التقديرية 70٪ من الايرادات المتوقعة. 2- تخصيص 10٪ من الايرادات للأحداث الطارئة واستثمار الباقي 20٪ في استثمارات ذات مخاطر منخفضة او متوسطة. المفترض في التخطيط المالي ان يبدأ مع الشخص منذ بداية حياته العملية بحيث يعد موازنات تقديرية طويلة المدى بموجبها يحدد التاريخ الذي يستطيع فيه التقاعد المبكر دون ان يتأثر نمط حياته ومستواه المعيشي بمعنى انه يعد موازنات لجميع السنوات القادمة حتى تاريخ تقاعده ويتم تحديد تاريخ التقاعد عن طريق ان الدخل الناتج عن الاستثمارات صار يكفل له ان يعيش وهو متقاعد بنفس مستوى الحياة المعيشية التي تعود عليها وهو على رأس العمل. الجزء الاخر المهم هو ان يعمل سنويا على تحديث هذه الموازنات فتاريخ التقاعد قد يكون اقرب من موعده اذا نجح في اختيار الاستثمارات التي استثمر فيها وقد يبعد ان هو لم يحسن اختيار استثماراته، المهم في الامر هو تحديث هذه الموازنات سنويا وبشكل مستمر. هذا هو الوضع النموذجي المفترض حدوثه ولكن لو جاءنا شخص متقاعد الان وذكر لنا انه لم يقم بكل ذلك فما العمل في هذه الحالة فان الشخص المتقاعد هذا لديه نوعان من الموارد هما: النوع الاول في شكل راتب تقاعدي او دخل شهري يستلمه بشكل منتظم والنوع الثاني يكون في شكل اموال حصل عليها من التقاعد في شكل سيولة نقدية في البنك وقد تكون في شكل استثمارات في اراض او عقارات او اسهم او خلافه. المفترض في هذا الشخص ان يعد موازنات تقديرية عن السنوات القادمة بنفس الطريقة التي ذكرناها سابقا ولكن مع اختلاف الهدف حيث ان الهدف في السابق كان تحديد تاريخ التقاعد ولكن الهدف هنا هو تحديد المصروفات التقديرية بحيث لا تتجاوز الدخل السنوي الذي يحصل عليه المتقاعد لانها وبكل بساطة اذا تجاوزت الدخل فإن ذلك يعني انه اصبح يصرف من رأس المال الذي سوف يتآكل شيئا فشيئا حتى يصل الى مرحلة يضطر معها الى الاستغناء عن جزء من استثماراته ليحافظ على مستواه المعيشي وتدريجياً اذا استمرت هذه الحالة فسيفقد مدخراته لهذا نصيحتي لكل المتقاعدين من واقع خبرة عملية وقانونية ان يبدأوا من الان في القيام بالخطوات التالية: 1- اعداد مركز مالي شخصي لكل املاكه. 2- عمل موازنة تقديرية للعام القادم يحدد فيها إيراداته ومصروفاته المتوقعة بحيث لا تتجاوز مصروفاته عن ايراداته نسبة 70٪. 3- عمل ميزانية فعلية في نهاية العام المالي ليعرف كيف كان أداؤه في خلال العام المنصرم وايضا ليبني تقديرات للعام الذي يليه. وخلاصة القول إن التخطيط المالي للتقاعد مهم جداً خصوصاً في ظل الأزمات وخير مثال على ذلك هو ما ورد في قصة نبي الله يوسف عليه السلام وكيف استطاع بالتخطيط تجاوز أزمة السنين العجاف لأمة وليس لفرد.