أصبحت الاستعانة بعاملة منزلية أمرا ملحاً في عصرنا الحاضر، إذ لا يخلو منزل من عاملة إلا ما ندر، فوجود العاملة في المنزل أمر تقدره حاجة ربة المنزل إليها، وفي بعض الأحيان تجد منزلا ليس بحاجة إلى عاملة لكنها أصبحت من مكملات «البرستيج»، وفي نظري أنه لو هناك استطاعة للتخلي عن العاملة لأصبح ذلك أمراً جيداً، من حيث أثرها على تربية الأبناء، وتعويد الكسل، وباعتبارها عنصرا غريبا على نسيج الأسرة الاجتماعي، لقد استقدمنا إلى منازلنا عاملات من جنسيات مختلفة، يختلفن عنا في دياناتهن، وعاداتهن، وتقاليدهن، فكم من مآس حدثت من تلك العاملات، خاصة من العاملات الأثيوبيات اللاتي أشبعن أطفالنا قتلاً، وللأسف لا يزال البعض يصر على استقدامهن، ولم يتعظ مما وقع لغيره، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وأمام حاجة الأسر السعودية الملحة لاستقدام عاملة لمبررات يحترم فيها صاحب قرار استقدام عاملة إلى منزله، نشأت سوق مكاتب الاستقدام المرخص لها، ونشط استقدام أفراد غير مصرح لهم نظاماً بالاستقدام، واستغل كلا الفريقين حاجة المواطنين للعاملة المنزلية بجشع فاحش، فتكلفة العاملة المنزلية في بلدها قد تساوي أو تزيد قليلاً عن تأشيرة الاستقدام (الفيزا) الممنوحة لها، وقد تعامل الكثير منا مع عدد من مكاتب الاستقدام، ويعرفون مدى صدق بعضهم، وكذب البعض الآخر، وكيف يستقبل بعض أصحاب تلك المكاتب عملاءهم بالوعود المعسولة، ليعاني المواطن بعد ذلك من انتظار وصول عاملته لشهور طويلة، والإخلال بالالتزام بشروط العقد بعد مجيئها، وطلبها السفر، أو هروبها، ونشاط سوق تهريب الخادمات وتشغيلهن، وإن كانت مشكلات المستقدمين مع مكاتب الاستقدام يضمنها أحياناً نظام الاستقدام، والعقد المبرم بين الطرفين، إلا أن هناك سوقاً أخرى غير مضمونة العواقب، وهي أن أفراداً يقومون بنشاط غير نظامي حيث يقومون باستقدام العاملات بمبالغ خيالية يصل إلى عشرين، وخمسة وعشرين ألف ريال، وبدون وجود أي ضمانات، يعني إن صلحت خير وبركة، وإن لم تصلح ضاعت فلوسك يا مستقدم! ولعل في القرار الأخير لضبط عمل هذه الفئة المتاجرة رادعاً لهم. إن ما تم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي من كشف سفارة خادم الحرمين الشريفين في فيتنام لمواطنين دخلوا سوق استقدام العمالة المنزلية من فيتنام، وتجاوزوا المبلغ المحدد نظاماً للاستقدام بألفي ريال، إلى أضعاف مضاعفة، والضحية في ذلك المواطن السعودي، الذي يضطر تحت إلحاح حاجته لعاملة أن يدفع أي مبلغ، وقد حقق اكتشاف أولئك السماسرة رضا المواطنين المستقدمين. أمام ذلك فإن عملية الاستقدام بحاجة إلى مزيد من القوانين التي تحفظ حق المستقدم بدءاً من شروط عقد الاستقدام، والتعويض في حال رغبة العاملة المنزلية في السفر، أو هروبها، وأن يكون مرتبها تبعاً لمستوى دخل الفرد في بلدها، وكذلك تدريبها، وتهيئتها لفهم طبيعة المجتمع السعودي وعاداته وتقاليده، ونظام المملكة قبل وصولها. وإن كان سفير المملكة في فيتنام دخيل الله الجهني مشكوراً قد كشف هؤلاء السماسرة الذين يضرون بمصلحة الوطن والمواطن، فإن المواطن ينتظر من أكثر من سفير لدى دول استقدام العاملات المعروفة إلى كشف أمثالهم في تلك الدول، وحماية المواطن من جشعهم. وتظل سوق الاستقدام سوقاً نشطة ما دام المواطن في طلب مستمر عليها.