سمها الطبيعة الجديدة لأرباح البنوك الأوروبية. فقد انخفضت أسهم بنك ستاندرد تشارترد بأكبر نسبة لها في أكثر من 3 سنوات بعد أن أبلغ البنك عن خسارة مفاجئة في عام 2015 قدرها 1.5 مليار دولار، مختلفة نوعا ما عن متوسط تقدير الأرباح قبل خصم الضرائب والبالغة قيمتها 1.37 مليار دولار والذي قدمه 20 محللا. يوم الاثنين، قدم بنك إتش إس بي سي مقدار الخسارة المفاجئ قبل خصم الضرائب للفصل الرابع والبالغة قيمتها 858 مليون دولار، بدلا من الأرباح المتوقعة البالغة 1.95 مليار دولار. في الثامن والعشرين من يناير، فاجأ بنك دويتشه مستثمري السندات بصافي خسارة للفصل الرابع بلغت 2.3 مليار دولار، بعد أقل من أسبوعين من الاستفادة منها لأموال بلغت قيمتها 1.75 مليار دولار. كما يقول المثل، حين تخدعني مرة واحدة، فإن هذا عار عليك، لكن حين تخدعني مرتين، يكون العار علي. لكن إن خدعتني 3 مرات ربما أُسلِّم بحقيقة كوني غبيا، على الأقل في المجال الذي تكون فيه المصارف الأوروبية هي المعنية. الحقيقة غير المستساغة هي أن النموذج المصرفي مختل. حيث ولت أيام الحصول على أموال نقدية كبيرة من الهندسة المالية "غير المجدية اجتماعيا"، كما ذكر أدير تيرنر في عام 2009 عندما ترأس هيئة الخدمات المالية في المملكة المتحدة. ولأنه ينبغي على البنوك اقتناء المزيد من رأس المال تحسبا للأوقات العصيبة، لديهم أموال أقل لممارسة النشاط في الأسواق المالية. ولا تزال آخذة في تقليص منصات التداول لديها، وهو ما يحد من قدرتها على كسب المال من الأسواق. لا تزال الجوانب الهامة للخلفية التنظيمية لأوروبا غامضة وضبابية في أحسن الأحوال، وقد تم تأخير توجيه الصكوك المالية للأسواق في الاتحاد الأوروبي، وهي قواعد جديدة تغطي العديد من الأسواق بدءا من المشتقات المالية إلى السندات، لسنة واحدة حتى عام 2018. لكن من الواضح أن الاتحاد الأوروبي يسعى إلى الحفاظ على المؤسسات المالية مما يسمى بمصرفية الكازينو قدر الإمكان. من المحتمل أن ترتفع الأحكام المتعلقة بالقروض المصرفية الأوروبية المقدمة لشركات النفط والغاز - حيث يذكر زميلي ليونيل لورين إن بنك إتش إس بي سي تعرض لضربة بقيمة 400 مليون دولار فيما يتعلق بهذه القروض هذا الأسبوع - ما زاد من تقليص الأرباح. ويبدو أنه لا توجد أي نهاية لتلك الغرامات التي تدفعها مقابل التلاعب في الأسواق، مع تسويات بسبب تزوير أسعار الذهب والفضة والبلاتين والبلاديوم ومقاييس مشتقات السوق لا تزال تلوح في الأفق. كما يقول مثل آخر، مليار هنا ومليار هناك وقريبا جدا ستتحدث عن مال حقيقي. لذلك، فلا عجب أن بنوك أوروبا خسرت حوالي 30 بالمائة من قيمتها في العام الماضي. علاوة على ذلك، هنالك احتمال ضئيل بأن حدوث تحسن في الخلفية الاقتصادية سوف يجعل الحياة أسهل بالنسبة للبنوك. أشار محافظ بنك إنجلترا مارك كارني في شهادة له أمام لجنة الخزانة التابعة للبرلمان البريطاني إلى أنه رغم أن الميزانيات العمومية ما بعد الأزمة هي أكثر قوة، إلا أن الصناعة البنكية لم تطور إستراتيجية للتعامل مع البيئة الحالية: تدور المخاوف الأساسية حول عائدات تلك المؤسسات. إذ أن العديد من تلك المؤسسات لم تطور نماذج أعمال تجارية تتسق مع النمو المنخفض، وبيئة أسعار الفائدة المنخفضة، ومتماشية مع تحقيق عائدات يتوقعها حاملو الأسهم ضمن بنية تنظيمية جديدة. إن أسعار الفائدة لدى البنوك المركزية القريبة من الصفر أو دون الصفر تحقق مالا رخيصا. لكن الأسعار الأطول أجلا والتي تكون أيضا في مستويات قياسية منخفضة وفي بعض الحالات أقل من الصفر (عائدات السندات الحكومية الألمانية لأجل خمس سنوات هي سالب 0.33) تعني أنه ليس بإمكان البنوك الاقتراض بشكل رخيص وجني الأرباح من إقراضها لعملائها بأسعار متضخمة. وتقول أسواق العقود الآجلة إن البنك المركزي الأوروبي سوف يدفع سعر الفائدة القياسي أكثر إلى نطاق سلبي عندما يجتمع الشهر المقبل. هنالك جدل قوي بأن رد الفعل العنيف ما بعد الأزمة ضد المصارف والمصرفيين فيه عواقب مترتبة غير مقصودة تتمثل في جعل قطاع الصناعة المالية أقل ملاءمة لتحقيق الغرض، وليس أكثر ملاءمة. إن الموجة الهابطة تخفض كل القوارب، والمصارف التي تشهد انخفاضا هائلا لقيمتها السوقية هي الأقل احتمالا بأن تدفع الانتعاش الاقتصادي الذي يسعى إليه محافظو البنوك المركزية. حتى يتحرك البندول بعيدا عن مساره الحالي نحو تنظيم أكثر إحكاما ومقاييس رأسمالية أكثر صرامة، ينبغي أن يكتفي مستثمرو البنوك الأوروبية بالأرباح المخيبة للآمال- والتوقف عن إبداء الدهشة إزاء كفاح عالم المال مع طبيعته الجديدة.