في الوقت الذي تتعرض فيه القارة الأوروبية لكوارث اقتصادية متتالية، تتزايد ظاهرة هروب الاستثمارات وابتعادها نحو أسواق عالمية أخرى، وتعمل المواقع الإخبارية الرنانة على تأجيج مخاوف المستثمرين وتدفعهم نحو تحويل استثماراتهم إلى مناطق جديدة أكثر أمناً واستقراراً. والابتعاد عن مصادر الخطر قد يمنح المستثمرين شعوراً ببعض الأمان، لكنه قد يساهم في ضياع بعض الفرص السانحة، ويؤدي إلى تحمل نفقات كبيرة لتأمين الأخطار التي قد تترتب على الاستثمار في دول أو مناطق أخرى، وفقاً لشركة «بلاك روك» الأميركية للاستثمار الخاص. ولفتت الشركة إلى ان استمرار الأخطار النظامية يدفع بعوامل عدم الاستقرار نحو الارتفاع في القارة الأوروبية، في وقت تدفع المتغيرات الرقابية وهيكلة قرارات جديدة للأسواق المالية، بعض المصارف والمؤسسات المالية الأوروبية للتخلي عن بعض استثماراتها وبيع أصول لخفض الأخطار، ما يعني تأثيراً مباشراً على قيَم الأصول الأوروبية الحقيقية وابتعادها عن قيمتها السوقية الفعلية، بخاصة في قطاعات الدخل الثابت، كالسندات، حيث تزداد الفرص لشراء سندات ذات أسعار متفاوتة لتعزيز الاستثمارات وتجنّب الأخطار النظامية. وقد يجد المستثمرون القادرون على التحرك الذكي والسريع فرصاً مُؤاتية لشراء الأصول والمحافظ المالية التي تتخلى عنها المصارف أو المؤسسات المالية المختلفة، وفقاً للمدير العام لشركة «بلاك روك- الشرق الأوسط»، نايجيل موردوخ، ما يمكن أن يشكل مصادر غنيّة بالعائدات. وهذه الأصول والمحافظ المالية ليست سوقاً صغيرة، إذ تتراوح قيمتها بين 1.5 و2.5 تريليون يورو (1.9 إلى 3.2 تريليون دولار) وستكون معروضة للبيع بعد تخلي المؤسسات المالية عن حصصها فيها خلال الفترة المقبلة، خلال 18 إلى 24 شهراً. وفال موردوخ: قد نلاحظ كذلك احتفاظ بعض المصارف والمؤسسات المالية الأوروبية ببعض الأصول في موازناتها، وهي مجموعة الأصول التي يصعب التخلي عنها، كسندات الرهن العقاري الأميركية الافرادية، التي تشكل عبئاً على متطلبات رأس مالها. وقد ترغب تلك المصارف بتحويل تلك الالتزامات إلى طرف ثالث وتحرير رأس مالها المقيّد مقابل تلك الرهونات. وتتمثل الفرص الاستثمارية الأخرى في الأسواق الأوروبية في مجالات ظاهرة، مثل شراء حقوق خدمة الرهن العقاري التي قد ترغب المصارف والمؤسسات المالية ببيعها، والتي ستشكل عبئاً عليها بعد تطبيق «بازل 3». وتُعتبر حقوق خدمة الرهن العقاري تدفقات نقدية تأتي من مصادر متعددة لخدمة القروض السكنية، مثل تقديم التقارير وتجميع الرسوم، وقد تلجأ المصارف إلى توكيل جهات ثالثة تتولى تنفيذ مثل هذه العمليات، إذا لم تتمكن من التخلص منها. وفي إطار عملية تسييل الأصول، التي قد تمتد لفترة سنتين او ثلاث، يرى موردوخ ان المنافسة ستتقلّص لندرة رؤوس الأموال التي تملك الاستعداد والخبرة والقدرة على تحمل غياب السيولة في هذا الجزء من السوق. وهناك فرص عدة وأرباح للمستثمرين الذين يتوافر لديهم رأس المال وهم قادرون على مواجهة هذه التعقيدات. ولا تقتصر الفرص الاستثمارية في قطاع الائتمان الأوروبي، إذ تتوفّر أصول مصرفية بأسعار منخفضة، بفعل ظروف السوق المضطربة التي غذتها السياسات المالية غير الحكيمة، وتشكل فرصاً لاستراتيجيات التداول الشاملة في المشتقات المالية. إلى ذلك، يشكل اختلاف هامش الفائدة في الشرائح الأكثر سيولة في أسواق الأصول الأوروبية ذات العائد الثابت، فرصاً للتداول المتفاوت وتحقيق الربح من محفظة استثمار متكافئة. وأوضح موردوخ ان هناك فرصاً أخرى في الديون ذات العائدات المرتفعة، إذ ان الإصدارات الجديدة ذات الأحجام الكبيرة والمتنوعة لسندات أوروبية ذات عائدات مرتفعة، تدل على استمرار هذه السوق في النمو طالما تسير المصارف الأوروبية باتجاه تقليص الديون. وعلى رغم أن هذه العائدات ليست مرتفعة بمستوى تلك المحققة عام 2011، فإن ابتعاد الكثير من المستثمرين عن الأسواق الأوروبية بسبب أخطار بنيوية وأخطار ملاءة سيادية لدول أوروبية عدة، تَرفع العائدات الأوروبية لتتفوق على نظيرتها الأميركية ذات العائدات المرتفعة. وخلصت «بلاك روك» الى أن الأخطار المصاحبة للاستثمار في الأسواق الأوروبية ستبقى على الأقل في المستقبل المنظور، ولا يجب على المستثمرين أبداً التقليل من أهميتها، لذلك سيختار الكثير منهم التعاون مع مؤسسات استثمار فاعلة في السوق الأوروبية، تتولى اختيار محتوى محافظ الاستثمار وتوزيع الأخطار الائتمانية وإدارتها. وكما هي الحال في أي استثمارات أخرى، لا بد من موازنة أهداف الاستثمار ومدى تقبل المستثمر للأخطار، إضافة إلى تحديد الفترة الزمنية للاستثمار. ومع توافر كل هذه الشروط، تبقى الفرص الاستثمارية المتاحة في الأسواق الأوروبية بالنسبة للكثير من المستثمرين، فرصاً لا يمكن تجاهلها.