في العاصمة السنغالية داكار تواصل محكمة افريقية فوق العادة شكلت محكمة خصيصا لمحاكمة حسين حبري رئيس تشاد السابق، الذي حكم تشاد في الفترة من يونيو 1982 حتى ديسمبر 1990 وهو متهم بين اشياء اخرى بارتكاب جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب ضد معارضيه السياسيين. هذه المحكمة تتسم بأهمية خاصة وسابقة قضائية في مجال العدالة الجنائية الدولية. إذ لم يسبق وليس معتادا ان تتولى بلد بمفردها محاكمة رئيس سابق في دولة اخرى، فالمحكمة السنغالية شكلها الاتحاد الافريقي لمحاكمة احد اعضائه باسم افريقيا تجنبا للتسييس والانتقائية التي تتهم بها محكمة لاهاي الدولية والتي تطلب تسليمها أكثر من رئيس افريقي. إلا ان المحكمة الإفريقية في السنغال تواجه نفس تهمة التسييس والانتقائية بتجاهلها دور المخابرات الامريكية في تشاد اثناء ادارة الرئيس الأمريكي رونالد ريجان الذي قدم دعما عسكريا واستخباريا للرئيس حبري. ورغم أن قرار المحكمة لا يتوقع صدوره قبل الثلاثين من مارس القادم، إلا ان محاكمة حبري تشكل في نظر البعض نجاحا للاتحاد الافريقي، فلم يحدث في اي من محاكمات الابادة الجماعية ان سيطرت أصوات الضحايا على قاعة المحكمة كما حدث في هذه القضية. ولعل الاتحاد الافريقي توصل الى قناعة بأن مثل هذه الجرائم يجب ان لا تتكرر، اضف الى ذلك ان الدول الاعضاء في الاتحاد الإفريقي فضلت ان لا تخاطر بوضع نفسها في مصيدة المحكمة الدولية. استطاع حبري ان يؤخر في شهر يوليو الماضي جلسة الاستماع بامتناعه عن حضورها، لكنه اقتيد بالقوة الجبرية الى قاعة المحكمة، أثار اتباعه بعض الاضطرابات، ورفض محاموه الظهور في جلسة الاستماع مما دفع المحكمة لتعيين ثلاثة محامين وتأجيل الجلسة، وعندما عاودت المحكمة جلساتها في شهر سبتمبر الماضي طرد انصار حبري من القاعة وتم تهديدهم بفتح بلاغات ضدهم، ولم يكن أمام حبرى (73 عاما) سوى الجلوس صامتا بعد وصفه المحاكمة بأنها مؤامرة امبريالية. وكان وجوده على بعد عدة امتار فقط من الضحايا على منصة الشهود تذكيرا يوميا بهزيمته. لقد أجبر الرئيس التشادي السابق ولأكثر من ثلاثة اشهر على الاستماع إلى تسعين شاهد عيان تكلموا جميعا ضده. في ثمانينيات القرن الماضي عندما كانت تشاد غارقة في حروب اما مع نفسها او مع جارتها ليبيا التي احتلت جزءا من الاراضي التشادية تولى البوليس السري (الادارة العامة للتوثيق والامن) مهمة قمع معارضي النظام السياسيين الحقيقيين والمفترضين. ولقي آلاف التشاديين حتفهم بسبب سوء التغذية والامراض والتعذيب والاعدام في العديد من مراكز الاعتقال السرية في العاصمة انجامينا وفي سجون اخرى في الاقاليم. من المهم هنا الاشارة الى تجاهل المحكمة ووسائل الاعلام الغربية دور الولاياتالمتحدةالامريكية وفرنسا اللتين كانتا تدعمان حبري بشكل واسع عندما كان في السلطة، وعدم القاء الضوء على دور المخابرات الامريكية في تلك الجرائم. عام 1981 أعلنت تشاد نيتها الاندماج وجارتها الشمالية ليبيا تدريجيا لتكوين بلد واحد مما اثار خوف الامريكيين والفرنسيين من فقدان ارض بكر لم تستكشف ثرواتها بعد، فجعل الرئيس ريجان منع حدوث هذا الاندماج في مقدمة اولوياته، وذلك بتقديم الدعم لمجموعة حسين حبري المتمردة في ذلك الوقت في تشاد لتستولي على السلطة ثم تشن الحرب على ليبيا. وبادرت الولاياتالمتحدة وفرنسا اعلان دعمهما له وأخذ حبري معتمدا على هذا الدعم يمارس افظع انواع الارهاب لتثبيت نظام حكمه حسب ما وثقه الصحفي الامريكي جون غازفينيان في كتابه «الارض البكر.. التكالب على نفط افريقيا». يورد المؤلف ان اربعين الف معارض تشادي تمت تصفيتهم في عهد حسين حبري وينقل عن منظمة "هيومان رايتس واتش" ان الولاياتالمتحدة كثفت دعمها لحبري واستقبل عام 1987 في البيت الابيض واحتفى به اعضاء الكونجرس كصديق للولايات المتحدة. وان الرئيس ريجان امتدح مقاومة حبري "الاعتداء الغاشم الذي تمارسه دولة خارجة على القانون (ليبيا) والتزامه ببسط الحريات والتعاون مع المجتمع الدولي". ويشير الكتاب الى ان كبار ضباط مخابرات حبري تمت استضافتهم عام 1985 في موقع خارج واشنطن، حيث تلقوا تدريبا خاصا من اصدقائهم الامريكيين الذين اعطوا اهمية بالغة لهذا التدريب، وأن المخابرات الامريكية وعدت بتقديم الدعم الفني لنظرائها التشاديين، وجاء في الوثائق التي كشفتها "هيومان رايتس واتش" ان عملاء حبري طلبوا امدادهم بمصل لانتزاع المعلومات ومولد كهربائي لاستخدامه في عمليات الاستجواب.