الكتابة الأسبوعية في زاوية الرأي طوال العام دون توقف أمر مرهق، خصوصاً إذا كان الكاتب يبحث عن إضافة يستفيد منها القارئ العادي أو المسؤول وصاحب القرار، وإذا كان يهدف إلى إيصال رسالة تخدم المجتمع والوطن وليس مجرد كتابة وسرد وحشو يتكون من عدد محدد من الكلمات يملأ بها المساحات الفارغة من صفحة الجريدة. أعتقد أن هذا الهاجس من المفترض أن يراود أي كاتب رأي ويشغل باله، وهو في حقيقة الأمر ليس بالأمر الهين والسهل على الإطلاق. فكتابة الرأي في الشأن العام وقضايا المجتمع التي تلامس حياة الناس تتطلب الشفافية والصراحة والمصداقية والإلمام والموضوعية والحيادية، والتي يجب صياغتها على أكمل وجه في عدد محدود من الأسطر؛ لإيصال الرسالة بشكل كامل وواضح لا يفتح المجال على التفسيرات والتأويلات التي قد تحرف سياق الموضوع عن سياقه وهدفه. سقف حرية الرأي في الصحافة ارتفع في السنوات الأخيرة بشكل ملموس، خصوصاً بعد ظهور وسائل التواصل الاجتماعي وانتشارها بين الناس وتميزها بسرعة نقل الأخبار والحوادث التي يتم تداولها، بغض النظر عن مصداقيتها وسلامة محتواها. فكان لا بد من مجاراة وسائل الإعلام المختلفة لوسائل التواصل الاجتماعي؛ لكي لا تطغى الأخبار غير الموثوقة المصدر على القنوات الرسمية وشبه الرسمية، والتي منها الصحف اليومية. وهذا السقف من الحرية أعطى الكتاب والصحف المجال لمناقشة كثير من الأمور الهامة والحساسة التي تمس حياة وأمن المجتمع والوطن، وتسمية الأشياء بمسمياتها خصوصاً فيما يتعلق بقضايا المواطنة وقضايا الفساد المالي العام وما أشبه. كما أن القيادة العليا في البلاد، متمثلة بشخص خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، أكدت على حرية الرأي وكفلته في أكثر من محفل، وكلمة خادم الحرمين الشريفين التي ألقاها قبل عدة أشهر في لقائه بالإعلاميين ورؤساء تحرير الصحف صريحة وواضحة، حيث قال: «منطلقنا واحد والحمد لله شعب ودولة، وأحب أن أقول لكم يا إخوان أننا نتحمل مسئولية الآن وولي العهد معي وأبناؤنا نتحمل مسؤولية، رحم الله من أهدى إلي عيوبي.. يكتبون في الإعلام فليكتب من يكتب لكن أي شيء تشوفون له أهميته الأخرى فأهلا وسهلا، التلفون مفتوح والأذن مفتوحة والمجالس مفتوحة، وأقول مرة ثانية أرحب بكم وأحييكم وأراكم دائما إن شاء الله على الخير والبركة وأسال الله التوفيق للجميع». بعد هذا الحديث، أجد أنه من المستغرب جداً أن بعض الكتاب ما زال يحشو زاويته الأسبوعية في أمور تجاوزها العصر وتجاوزتها الناس، بطبيعة الحال كلٌ يكتب ما يرضيه وما هو مقتنع به، ولكن أن يضع بعض الكتاب أنفسهم موضع القاضي والحكم الذي يحاسب النقاد والكتاب الآخرين، ويوزع الإتهامات المجانية عليهم فهو أمر مستغرب من شخص يرتجى منه المشاركة برأيه في نهضة الوطن، وهو يعتقد بهذا أن من أساسيات المواطنة والوطنية عدم الانتقاد، وأن من ينتقد يخدم أعداء الوطن بكلامه أو بكتابته، بالطبع لا بد من الاتزان والموضوعية في النقد؛ لكي لا يساء الفهم، ولكن لغة التخوين والتشكيك وإطلاق الأحكام العشوائية على الكتاب وعلى النقاد لا يمزق اللحمة الوطنية فقط ولكنه بالمقام الأول يخدم أعداء الوطن. الاختلاف في الرأي طبيعة بشرية وسنة إلهية لا مفر منها، وهو أمر يحصل في أي تجمع بشري، بل هو ممارسة سياسية طبيعية، يعرفها كل من هو داخل السلك السياسي في الداخل والخارج، ولهذا السبب يوجد مجلس الشورى الذي يتداول أعضاؤه قضايا الشأن العام والسياسات العامة التي يتفقون على بعضها تارة ويختلفون تارة أخرى، فلو كان الجميع متفقين لما كان هناك حاجة إلى الشورى والتشاور ولما وضع هذا المجلس من الأساس. الاختلاف المنظم يصب في مصلحة الجميع في النهاية. كما أن تضليل الناس والمسؤولين بالكتابات التي تبنى على قاعدة "كل شيء تمام والله لا يغير علينا" لا تساهم في حل المشاكل وتبيان مواضع الخلل، فالكاتب كحامل المصباح الذي يسلط الضوء على المناطق المعتمة؛ ليراها من يهمه الأمر.