تجربة بناء شراكة اقتصادية قوية بين المملكة وجمهورية الصين الشعبية لها أهمية استراتيجية لعدة اعتبارات تتعلق بقيمة ووزن الصين الاقتصادي والسياسي والعسكري على الصعيد الدولي، وفي كل عملياتها الانفتاحية على اقتصاديات العالم استطاعت هذه القوة العظمى بناء علاقات مصالح مشتركة قوية بعيدة عن أي تدخلات في الشؤون الداخلية، وكان ذلك أحد أهم عوامل قبولها ونجاحها، سواء في قارة آسيا أو أفريقيا، وتلك هي لغة المصالح والتعاون الدولي فيما يخدم الشعوب بعيدا عن أي ضغوطات من الأطراف القوية على الأقل قوة منها. من المنظور الاستراتيجي من المهم فتح قنوات اتصال وتعاون مع الصين في سياق التنوع في الشركاء الاقتصاديين والسياسيين وحتى العسكريين، فالصين عالم قائم بذاته سواء من الناحية السكانية البشرية أو الاقتصادية والاستثمارية أو القدرات التقنية والعسكرية أو الوزن السياسي الدولي، وهي مهمة لتحقيق توازن في القوى الدولية، وطالما أنها منفتحة علينا ينبغي أن ننفتح عليها ونستثمر ذلك الانفتاح في تحقيق علاقات ثنائية قادرة على دعم أفكارنا نحو التطور دون مزايدات أو أفكار غير منسجمة مع تطلعاتنا، فمن المعروف أن الصين لا تتدخل في الشؤون الداخلية ولا تربط مصالحها بأي سياسات وطنية داخلية، وإنما هي قوة ودولة موضوعية تحترم الآخرين طالما احترموا مصالحها معهم، وذلك هو جوهر العلاقات الدولية التي تحقق المنفعة المشتركة. زيارة الرئيس الصيني شين جين بينغ الأخيرة لبلادنا تأتي في إطار تطور العلاقات بين بلدينا، وقد دشن معه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود مشروع شركة ينبع أرامكو ساينبوك للتكرير "ياسرف" وهو مشروع عملاق وضخم يؤكد أهمية وقيمة الشراكة الاستراتيجية التي يجب أن تكون مع التنين الصيني الذي أصبح أكثر قدرة على بناء أضخم المشروعات التنموية بكل تقنياتها الحديثة، ومشروع المصفاة نموذجي وقياسي يمكن أن يدعم غيره من المشروعات الطموحة التي تثري اقتصادنا الوطني، وهذا المشروع الذي تم تدشينه أقل ما يوصف به، وصف رئيس مجلس إدارة أرامكو السعودية المهندس خالد الفالح في كلمته بأن يوم التدشين فريد وتاريخي تمثل في افتتاح مشروع عملاق سيضيف صرحا جديدا للشراكة بين المملكة والصين. وأؤكد على مبدأ الشراكة من واقع تعاظم الدورين التنموي والدولي للصين وتكفي تجربتها في القارة الأفريقية التي منحتها الأمل في أن تتطور من خلال المشروعات التنموية التي نفذتها من أجل خير وصالح الناس هناك، وطالما لديها الرغبة والإرادة لتطوير علاقاتها بنا، فمن باب أولى من خلال الموارد التي نمتلكها أن نعزز شراكتنا، وذلك أمر أكده الفالح أيضا بقوله : "هذه الشراكة الخيرة تجعلنا نستذكر العلاقة التي جمعت بين البلدين, إذ إن كلتا الدولتين قطبان يرتكز عليهما الاقتصاد العالمي؛ فالمملكة اليوم تمتلك الاقتصاد الأكبر في منطقتها, بينما يحتل الاقتصاد الصيني المركز الثاني كأكبر اقتصاد في العالم" وبما أن التوقعات المستقبلية تشير الى صعود التنين الى المرتبة الأولى، فإن ذلك يتطلب أن نواكب المستقبل عبر الطاقة وتطويرها، ذلك أنه حسب المهندس الفالح فإن المملكة والصين وجدتا في صناعة الطاقة وفي قطاع التكرير فرصاً مميزة لبناء شراكات قوية. والمطلوب أن تمضي تلك الشراكات في جميع المجالات الاستثمارية، من خلال تطوير استثمارات مستدامة ومجدية اقتصاديا في قطاع التكرير والتسويق الصيني, وبناء الشراكات بين البلدين في إطار مبادرة الحزام الاقتصادي لطريق الحرير التي أطلقها الرئيس شي جين بينغ, لتصبح المملكة قطبا أساسيا فيها عبر بناء الشراكات التي تزيد الاستثمارات الصينية في مجالات الطاقة والصناعة والاقتصاد في المدن الصناعية والاقتصادية في المملكة، وذلك يكفينا في المرحلة الأولى حتى نتطلع الى مزيد من التطور مع شركاء دوليين يمكن الوثوق فيهم والعمل معهم بجدية من أجل النهضة والتنمية الشاملة.