تخيل معي وأنت تقرأ هذه السطور أن عليك قطع مسافة ثلاثين كيلومترا بقيادة السيارة لمدة زمنية تفوق نصف الساعة، لتصل إلى أقرب مقهى خارج المدينة يقدم «المعسل والشيشة»، إن كنت من المدخنين. لقد أقدمت أمانات المدن في المملكة (مشكورة)، منذ سنوات بنقل مواقع المقاهي التي تقدم المعسل والشيشة ضمن قائمة طلباتها، إلى خارج النطاق العمراني للمدن. حرصاً منها على الحد من ظاهرة تعاطي الشباب والشابات تدخين المعسل والشيشة، وكذلك التقليل من انتشار الروائح الكريهة في الجو، المنبعثة من الفحم المحترق ودخان التبغ حول نطاق المقهى لعدة أمتار. لقد أصبح التدخين اليوم خصوصاً المعسل ضمن قائمة الطلبات التي يحرص عليها الشباب لتناولها مع القهوة والشاي في المقاهي، ووجودها -المقاهي- خارج النطاق العمراني وفي مناطق معزولة أعطاها ميزة، لبعدها عن أنظار المجتمع وعاداته وكذلك الرقابة المباشرة من البلديات. وبدلاً من أن يُصبح البعد والنفي جزءا من الحل غدا جزءا من المشكلة، فالمقاهي في هذه المواقع مكان مناسب لترويج المخدرات والممنوعات وأرض ممهدة (للمروج) لعرض وتسويق وبيع بضاعته؛ لسهولة الدخول والخروج من المقهى، كون الصحراء تحدها من كل اتجاه وتقع على خطوط وطرق سريعة تصل بين المدن والمحافظات. وإن نظرنا إلى الموضوع من زاوية أخرى، فهناك الأحياء السكنية التي حول وخلف المطاعم التي تنشر أدخنه الشواء وروائح الأطعمة بكل أنواعها وتقريباً على مدار الساعة. وعليه.. يجب أيضاً على أمانات وبلديات المدن نقل مطاعم الشواء إلى خارج النطاق العمراني، إن نظر إلى الموضوع من الجانب والأثر السلبي الذي يسببه انتشار دخان الشواء والروائح الكريهة في المدينة، وهذا بالنسبة لي طلب يستحيل تطبيقه من ناحية المنطق. إن كانت المطاعم لها دور في تلبيه رغبات أفراد المجتمع من غذاء الجسد، فإن أبناءنا وفلذات أكبادنا من الشباب والحرص على مستقبلهم أهم من مجرد دخان يتطاير في الهواء. إن العزل في بعض الأحيان له آثار سلبية قد لا نعلم نتائجها إلا عندما «يسقط الفأس في الرأس»، لكن هناك ما هو أفضل من العزل والإقصاء، (الاحتواء) وإيجاد البدائل التي تملأ وقت الشباب الطويل من الفراغ والعزلة وما أكثرها رياضية وثقافية وتطوعية.. والحديث يطول إن أردنا الاسهاب.