سلوك المعلم المتوافق مع ما يقول ويفعل أمام طلبته؛ يجعل الفكرة مكتملة بلا إسراف في الشرح، وهذا ما قامت عليه الدروس المحمّدية منذ البداية: قول وعمل، حتى وصلنا مصدر تشريعي كامل يُسمَّى ب "السنة النبوية" من خير معلِّم عليه الصلاة والسلام.. ولفهم ذلك جيدا؛ ينبغي أن يكون المجال مفتوحا في الذهن لاستحضار الأمثلة من الغرب والشرق والتاريخ عن العلم وأخلاق أهله، وقبلها؛ استحضار الأمثلة الواقعية على ذلك، فتستعرض مع نفسك أنواعا شتى من المعلمين الذين أثروا فيك سلبا وإيجابا على مختلف توجهاتهم الشخصية؛ لتعرف أن العملية التعليمية التي واجهتَها شخصية وسلوك و"عُقد"، وأن بعض القامات العلمية -أصلحهم الله- يخلطون الأدلة والمأثورات الجميلة لصنع مخرجٍ مريح يتنفسون منه إن حاصرتْهم أنفسهم أمام تناقضاتهم وتأزموا؛ فالصرامة والظلم والشدة لا علاقة لها بالعملية التعليمية، فتغييب طالب بعد حضوره، وطرد آخر لتأخره في الحضور، أو إمساك الطلبة وقت الصلاة أو تأخيرهم عن موعد انصرافهم كثيرا؛ كل ذلك لا يثبت جدية العلم.. فالعلم يبدأ بوضع الشيء في محله! هؤلاء يخلطون الأمور بطريقة عجيبة، مهمِلين أصوات الدنيا التي تنادي طالب العلم ولا يمكنه تجاهلها، الأمر الذي لا علاقة له بالجدية في طلب العلم. وأين هم من ذلك المربّي الذي كان يتخفف في الصلاة؛ لأجل أُمٍّ وطفلها البكَّاء، أو لأجل مريض يصلي معهم؛ فقد كان إنسانا قبل أن يكون عالما متعلِّما، وكان يعرف أن للدنيا أوقاتا يجب أن تُلبَّى. وما كان ذلك المجتمع المتغيّر الذي مرَّ به الرسول -صلى الله عليه وسلم- مُغيِّرا من تعاملهِ الآسِر مع من حوله، ذلك التعامل الذي جعله يتحدَّث بلهجة لا يتحدث بها الا أن يُفهِم غيره. لكنّ الإنسان الضعيف دائما ما يلجأ إلى حيلة دينية تجعله يتصوّر نفسه في القمة؛ ليحاكم الضعيف بأدوات قوته؛ فيظلم ويقصِّر ويثقل على غيره تارة بحجة العلم وطلبه، وتارة باسم النظام وأوقاته.. فيضيعُ منه الآخر في هذا النزاع النفسي، الذي لا علاقة له بأي شيء آخر.. وربما تحوَّل فيما بعد إلى نسخة منه باسم القدوة.. ولله المشتكى!