من 2003م إلى 2016م سجل تاريخ التطرف في المملكة أكثر من 125 عملية إرهابية، حصادها كان من الأرواح والممتلكات، فكلها لم تكن لتحدث وينتج عنها كل هذه الخسائر؛ لولا وجود مقدمات أدت إليها، تتمثل في مشاهد التطرف، وما آل إليه الانحراف الفكري في السنوات الماضية، رغم كل المكتسبات الدينية والقيمية التي تربى عليها النشء، تحديدا عبر مؤسساتها الدينية والفكرية والتعليمية. ورغم أن مسلسل التطرف أصبح مشهدا عالميا، تغذيه مصالح البراجماتية العالمية، وتبرير إباحية القتل والهمجية؛ تبرز دوما أهمية التشخيص الناقد للفكر المتطرف، لوضع الإستراتيجيات لزعزعة هذا الفكر من جهة ولدحضه من جهة أخرى. لذا، ما زال محللون سياسيون مترقبين لإرهاصات واستمرار مسلسل الحصاد للإرهاب الذي تكتب خططه من أيام القاعدة، والتي عبر عنها الظواهري قديما بخطة (حرب الاستنزاف الاقتصادي) من جهة، وما توقعه ويدبره اليوم تنظيم (داعش) في العالم كله، والذي لم تسلم منها المملكة ولا مساجدها ولا الأبرياء، الأمر الذي يثير الريبة للخطط التوسعية للدول المسالمة والتي لم يسلم منها جنوب شرق آسيا، لا سيما في محافظات شرقي إندونيسيا، أو محافظاتجنوبالفلبين، وذلك مع تنامي تهديدات التنظيم بعد عودة العديد من مقاتلي داعش إلى دولهم في المنطقة؛ مما يشير إلى تزايد خطرهم في الآونة الأخيرة، حيث رجح محللون أن تكون الفلبين تحديدا الفرع الرئيسي القادم لداعش في منطقة جنوب شرق آسيا؛ كونها دولة يسهل فيها تجميع صفوف العائدين من تنظيم داعش في العراق والشام، وذلك من خلال إحياء شبكات جهادية قديمة مثل جماعتي "أبو سياف" و"جبهة تحرير مورو الإسلامية" في الفلبين، وكذلك تنظيم "الجماعة الإسلامية" التي بدأت في الفلبين ثم انتقلت إلى إندونيسيا. وكان متطرفون إسلاميون في الفلبين قد أعلنوا في مقطع فيديو نُشر على شبكات الإنترنت الأسبوع الماضي عن إقامة ولاية لتنظيم داعش في جزيرة "مينداناو" جنوبالفلبين، وذلك بعد اتحاد مقاتلين تابعين لأربعة منظمات إرهابية فلبينية، برئاسة أحد قادة جماعة "أبو سياف" الإرهابية في منطقة "باسيلان" جنوبالفلبين، ويدعى إسنلون حابيلون . لذا، يرى خبراء ومراقبون ومتخصصون في فكر الجماعات الإرهابية، أن الجهود الفردية للدول في مكافحة هذا التنظيم الإرهابي قد لا تكفي لقمع تحركاتهم على مستوى العالم، من خلال فرض تشريعات وقوانين جديدة لتجريم مواطنيها المنضمين إلى الجماعات الإرهابية، بل يجب أن تكون الجهود على مستوى دولي صادق وجاد ومستقل من كل أيدلوجيات صناعة الموت والإرهاب وتفريخ التطرف، وإلى مستوى التعاون الدولي لمكافحة هذا الفكر المتطرف، وإلا فإن الفكر الداعشي مستمر في التوغل والتوسع الأخطوطي، خاصة أن داعش يقوم حاليا بتغيير استراتيجياته من الصراع الصعب والطويل الأمد في سورياوالعراق، إلى استراتيجية البحث عن أراض بديلة للقيام بأنشطته الإرهابية في العالم، حيث من المتوقع أن يحدث خلال هذا العام العديد من الهجمات الإرهابية والانتحارية في مناطق سياحية وتجارية وسياسية، بما في ذلك السفارات الأجنبية والفنادق ومراكز التسوق على مستوى العالم. ولعل الحقيقة أن مشكلة التطرف ليست في المؤامرات الخارجية فقط التي يكتبها سيناريو تطويل مسلسل التطرف، بل الإشكال الحقيقي ربما في منظمومة المنطقة العربية المعقدة المرتمي بعض شبابها في بطولات مزيفة كضحية في شبكات ومنظومات لم تفكر يوما في بناء إنسان أو حضارة. من هنا، ما زال السؤال مفتوحا لكل العقلاء.. لماذا الوقاية من مسلسلات جديدة للتطرف؟ وماذا لو استمر حصاده؟ وكيف نزعزع التطرف؟ ولعل الإجابة المنطقية لكل فطرة عاقلة أن الأمن بكل مكوناته ومعانية ضرورة بشرية، وأن استمرار التطرف خطر يهدد الأمن والإنسان والبيئة، وأن الجهود المجتمعية قبل الحكومية في استخدام نفس الأساليب التي يستخدمها العدو والفكر الداعشي تحديدا والذي يركز على خطوتين هما: تخدير الأتباع باستخدام طريقة «اللا وعي»، واستخدام العالم الافتراضي، وكلتا الطريقتين غائبتان في ساحة التغيير والوقاية، فالشاب المنتشي بروح البطولة والثأر والانتقام تعب من كلمة "لا تفعل"، و"ابتعد عن السياسة" و"وإياك والتطرف"، وفي المقابل ضعف مؤسسات الإعلام، استخدام الصورة المعبرة والمؤثرة لمآلات وحفر التطرف والإرهاب. إن تغيير مسارات التفكير في حلول الوقاية هي القوة القادمة التي يجب أن يركز عليها الإعلام والخطاب الديني أولا، وما جهود مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني وغيره من المؤسسات في ذلك إلا صورة مشرقة تحتاج إلى مزيد من التضافر معها والتعاون؛ لتجنيب المملكة وشبابها كل خطر وإيقاف مسلسل حصاد التطرف.