استخدمت البشرية النقد منذ 4 آلاف عام أو نحو ذلك. لكن في هذه الأيام يبدو أن النقود الورقية والمعدنية قد فقدت منزلتها الاجتماعية بشكل متزايد: فهي الآن قذرة وخطرة، وغير عملية ومكلفة، عتيقة وبعيدة كل البعد عن الطابع الرقمي الحديث. باستشعار هذا الاستياء، أدخل أصحاب المشاريع مئات العملات الرقمية في السنوات القليلة الماضية، والتي كانت عملة البتكوين العملة الوحيدة الأكثر شهرة فيها. ترغب الحكومات الدخول الآن في هذه التطورات: يقول بنك الشعب الصيني إنه يعتزم إصدار عملة رقمية خاصة به. والبنوك المركزية في كل من الإكوادور والفليبين والمملكة المتحدة وكندا تفكر في أمور مماثلة. على الأقل برزت شركة واحدة لمساعدتهم في ذلك. يتوقف الكثير على التفاصيل، بالطبع. لكن هذا الاتجاه هو موضع ترحيب. من الناحية النظرية، يمكن الجمع بين العملة القانونية الرقمية وابتكار عملات افتراضية خاصة مع استقرار في المسكوكات الحكومية. ومن الواضح أن مثل هذا النظام قد يجعل انتقال الأموال أسهل. وحين يكون مصمما بشكل صحيح، يمكن للعملة الرقمية الورقية التحرك بسلاسة عبر شبكات الدفع المتعارضة الأخرى، الأمر الذي يجعل المعاملات أسرع وأرخص. وقد يكون لها استخدام خاص من قبل الفقراء، الذين يمكنهم دفع الفواتير أو قبول المدفوعات عبر الانترنت دون الحاجة إلى وجود حساب مصرفي، أو إجراء تحويلات دون التعرض للاستغلال من البنوك وشركات الصرافة. بالنسبة للحكومات ودافعي الضرائب لديها، المزايا المحتملة لا تحصى. حيث إن إصدار العملة الرقمية قد يكون أرخص ثمنا من طباعة أوراق البنكنوت وسك القطع النقدية المعدنية. كما أنها قد تحسن المؤشرات الإحصائية، كالتضخم والناتج المحلي الإجمالي. والحركات التي يمكن تتبعها قد تساعد في منع تمويل الإرهاب، وغسل الأموال، والغش، والتهرب الضريبي، والفساد. قد يكون التأثير الأبعد هو الذي يخص السياسة النقدية. بالنسبة لجزء كبير من العقد الماضي، أعيقت البنوك المركزية في البلدان الغنية بما يسميه خبراء الاقتصاد بالحد الأدنى الصفري، أو عدم القدرة على فرض أسعار فائدة سلبية إلى حد كبير. ربما يتطلب كل من الطلب المنخفض باستمرار وارتفاع البطالة أحيانا أن تندفع أسعار الفائدة لما دون الصفر- لكن لماذا الاحتفاظ بالأموال في وديعة تكون قيمتها في حالة تقلص مستمر في الوقت الذي يمكنك فيه الاحتفاظ بالأموال النقدية بدلا من ذلك؟ مع وصول أسعار الفائدة إلى مستوى قريب من الصفر، أدى ذلك اللغز إلى قيام صناع السياسات بابتكار أساليب غير متوقعة لتحفيز الاقتصاد، مثل شراء السندات على نطاق واسع. ما قد يحل هذه المشكلة هو عملة قانونية رقمية. افترض أن البنك المركزي كلف البنوك التي تتعامل معه بدفع رسوم مقابل قبول العملات الورقية. بهذه الطريقة، يمكنه تعيين سعر صرف ما بين النقود الإلكترونية والنقود الورقية- ومن خلال رفع الرسوم، قد يتسبب في خفض قيمة الأموال الورقية مقابل النقود الإلكترونية المعيارية. وهذا من شأنه أن يلغي الحافز لاقتناء النقدية بدلا من الأموال الرقمية، ما يسمح للبنك المركزي بدفع أسعار الفائدة إلى ما دون الصفر وبالتالي زيادة الاستهلاك والاستثمار. إنها ستكون خطوة كبيرة نحو التعامل من دون النقدية تماما. لكن لاحظ أن العملات القانونية الرقمية لن تكون من دون أية مخاطر. حيث إن السياسة التي تعمل على خفض قيمة النقود الورقية قد تلقى مقاومة سياسية وبتعبير مخفف، قد تتطلب بعض التفسير. كما أنها قد تدعم الابتكار من أفراد في القطاع الخاص في العملات الرقمية (أي خارج المجال الحكومي المختص بطبع المال). سيكون الأمن من الشواغل الدائمة. كما أن المدفوعات غير النقدية تميل أيضا إلى مفاقمة الميل البشري نحو الإسراف في الإنفاق. وليس عليك أن تكون مجنونا حتى تشعر بالقلق من وجود هيئة رقابية عليا تتابع حياتك المالية الخاصة. يجب أن تكون الحكومات حذرة ويقظة بشأن تلك المشاكل- لأن المفتاح في جعل الناس يعتمدون مثل هذا النظام هو الثقة. على سبيل المثال، القاعدة التي مفادها أنه يمكن الوصول إلى تاريخ التعاملات الخاصة بشخص معين فقط من خلال أمر من المحكمة ربما تخفف من المخاوف المتعلقة بالخصوصية. إن التنسيق بين التنظيمات الدولية قد يشجع الشركات على مواصلة التجريب. ولا بد من شن حملة فعالة لشرح وتفسير النسخة الجديدة الخاصة بالعملة الرسمية من الدولة. إذا تمتع صناع السياسات بالحكمة وفهموا ذلك كله، فإنهم ربما فقط يقنعون الجمهور بالحقيقة المفاجئة المتعلقة بالأموال النقدية: وهي أنهم سيكونون أفضل حالا من دونها.