كلما أسمع الناس يقولون إنهم يريدون "تغيير العالم"، أشعر بالريبة. هل يريدون تغييره نحو الأفضل أم نحو الأسوأ؟ إذا كان الأول، ما الذي يجعلهم يعتقدون أنهم على دراية كافية لفعل هذا؟ ألن يكون أكثر واقعية وأقل تعجرفا أن يحاولوا تغيير شركاتهم أو الأحياء المحيطة بهم - أو ربما أنفسهم فقط؟ ومع ذلك، يعتبر هذا هدفا منتشرا بين الناس. هنالك كتب ومساقات جامعية ومؤتمرات تتعلق بكيفية القيام بهذا. كما أن هنالك أيضا فيلما وثائقيا جديدا يسمى "كيف تغير العالم" (يتحدث الفيلم عن أصول حركة السلام الأخضر). في سياق ذي صلة، وفي الوقت المناسب، يخبرنا المنتدى الاقتصادي العالمي في اجتماعه في دافوس في سويسرا هذا الأسبوع بأنه "ملتزم بتحسين حالة العالم". لكن يبدو أن تغيير العالم هو الفكرة المنتشرة على نطاق واسع في جميع أنحاء وادي السيليكون. أجرت يوليا تشيرنوفا، وهي صحفية في وول ستريت جيرنال، ذات مرة تحليلا لبروفايل مشتركي شبكة لينكد إن، ووجدت أن عبارة "تغيير العالم" كانت تظهر أكثر بكثير في الصفحات الشخصية للمشتركين الموجودين في منطقة خليج سان فرانسيسكو، منها في الصفحات الشخصية لأي منطقة أخرى. وفي عبارة عادية كتب المشارك في تأسيس شبكة لينكدإن ريد هوفمان في أكتوبر: "هنا، الهدف هو تغيير العالم". كما أعلن ناشط فيسبوك السابق جوستين روزينشتاين، نوعا ما بشكل أكثر فخامة، في عام 2012: "لدينا قدرة على تغيير العالم اليوم أكبر مما كان لدى الملوك والرؤساء قبل 50 عاما فقط". هنالك الكثير لنسخر منه في مثل هذه العبارات. ومع ذلك، كنتُ قادرا على إيجادها وإيجاد كل جزء آخر من المعلومات في الفقرات السابقة خلال بضع دقائق بفضل الشبكة العالمية وبفضل جوجل، اللذين لم يكونا موجودين عندما بدأت العمل كصحفي. لقد تغير هذا الجانب من عالمي. هنالك طريقة أخرى للتعبير عن هذا الموضوع، وهي أنَّ توازُن جمع المعلومات قد تحول. وفي أوائل التسعينيات، ربما كان الصحفي الذي يهدف إلى الكتابة حول موضوع كهذا قادرا على البحث في قاعدة بيانات مكلفة خاصة بوسائل الإعلام مثل نيكسيس أو بروكوسيت، لكن خلافا لذلك كانوا يكتفون بإجراء مقابلات واقتباسات يجمعونها على مر الزمان من الصحف اليومية والمجلات والكتب. وكان هذا هو الوضع الراهن، ولا أذكر أن أي شخص طالب بتغييره. الآن، رغم ذلك، هنالك توازُن جديد لجمع المعلومات يكون فيه استخدام جوجل عادة الخطوة الأولى. وهذا التوازُن ليس دائما هو الأفضل - إذ إن تكلفة البحث عن المادة عبر الانترنت متدنية جدا، بحيث إنها تثبط الناس عن استخدام الهاتف حتى عندما يكون ذلك مجديا - لكنه بالتأكيد أكثر كفاءة. لم يكن من الممكن بالنسبة لي في السابق أن أكتب مقالا يوميا كهذا في عصر ما قبل الانترنت. وحين نقوم بما نُحسِن القيام به فإننا نأخذ العالم من مرحلة معينة إلى المرحلة التي تليها، بمعنى أننا نقوم بشيء آخر لكنه مألوف على غرار ما سبق. لكن في كل مرة تقوم فيها بإنشاء شيء جديد فإننا ننطلق من الصفر إلى واحد. أي أننا نحقق شيئا يختلف تماما عما كان موجودا من قبل. وما لم تقم الشركات الأمريكية بالاستثمار في المهمة الصعبة القائمة على إنشاء أشياء جديدة، فإنها سوف تفشل في المستقبل، بصرف النظر عن مدى ضخامة أرباحها في الوقت الحاضر. هذا أيضا يشبه إلى حد ما التمييز المشهور الذي أتى به كلايتون كريستنسين، الأستاذ في كلية إدارة الأعمال في جامعة هارفارد، بين الابتكار المستدام، وهو أمر تقوم به معظم الشركات في معظم الوقت، وبين التعطيل المبتكر. وهنالك أيضا أصداء لمثل هذه الفكرة في الدراسات الاقتصادية المتعلقة بنمو الإنتاجية. الإنتاجية تصنع قفزات كبيرة، والتي بدورها ترفع من مستويات المعيشة، عندما تسمح التكنولوجيات الجديدة بطرق أفضل لترتيب وتنظيم حياتنا الاقتصادية. ويغلب على الشركات الناشئة أن تكون هي الرائدة في تلك الترتيبات الجديدة الأكثر إنتاجية. لكن ليس هذا كل ما في الأمر.. كريستوفر ميمز، كان محقا حين جادل في وول ستريت جيرنال في الأسبوع الماضي أن البنية التحتية العامة الجديدة في الغالب أساسية أيضا. لكن الشركات الناشئة، من وادي السيليكون ومناطق أخرى، تقوم فعلا بتغيير العالم. بل إن بعضها يجعل العالم أغنى من قبل، وربما أفضل من قبل. هل من المهم أنها كانت تعتزم تغيير العالم أم لا؟ كنتُ دائما أحب هذا المقطع (الذي يأتي مباشرة بعد السطر الشهير المتعلق ب "اليد الخفية") في كتاب آدم سميث "ثروة الأمم": "حين يسعى التاجر وراء تحقيق مصالحه الشخصية، فإنه كثيرا ما يعزز مصلحة المجتمع بشكل أكثر فعالية مما يفعل، عندما يريد فعلا أن يعزز مصلحة المجتمع. لم أعرف أبدا أن هناك الكثير من الخير الذي تم تحقيقه على أيدي الذين يتظاهرون أنهم يمارسون التجارة من أجل الصالح العام. إنه تظاهُر، في الواقع، وليس منتشرا جدا بين التجار، ولا تحتاج إلا إلى بضع كلمات لكي تقنعهم بالتخلي عن هذا الهدف." لم يكن سميث يقول إنه لا أحد يمكن أن يشجع الصالح العام عن قصد وبشكل ناجح، كل ما في الأمر أنه يرى أن أصحاب المشاريع الذي زعموا بأنهم يفعلون ذلك لم يكونوا يقومون به عادة. وهذا يجعل الأمر يبدو وكأن الغموض في عبارة "تغيير العالم" ربما يكون في الواقع شيئا جيدا. ليس بالضرورة أن يكون الهدف هو جعل العالم أفضل حالا، بل مجرد أن يكون هنالك أثر. إن بيان بخصوص الطموح لا أكثر. وعبارة ستيف جوبز الشهيرة حول الرغبة في "إحداث خدش طفيف في الكون" هي حتى تعبير أفضل لهذا الهدف. في العادة يكون الخدش سيئا، لكنه يبقى طويلا في الذاكرة. في الأسبوع الماضي، كنت أتحدث إلى رجل الأعمال المخضرم ستيف بلانك، المشهور بمنهجه في الشركات الناشئة اللينة، وسألته عما إذا كان يعتقد بأن تغيير العالم هو هدف مشروع لصاحب المشاريع. فاجأني رده قليلا، حيث قال: "حين أنظرُ إلى حياتي المهنية الماضية أجد أنني لم أغير العالم باعتباري صاحب مشاريع. وإنما فعلتُ ذلك من خلال كوني مربيا. لذلك فأنا حزين قليلا". وواصل كلامه بأن قال: "أما الآن فإن سؤالي لأصحاب المشاريع الذين هم في العشرينيات من أعمارهم، هو ما يلي: هل تريد أن يعرفك الناس على أنك الرجل الذي يصنع التطبيق التالي الذي لا حاجة إليه، أم أنك تريد إرسال الإنسان إلى سطح المريخ؟" ربما يعترض أهل وادي السيليكون على وجهة نظري في هذا المقال، لذلك أقول لهم ما يلي: استمروا في عملكم، وحاولوا تغيير العالم. لكن أرجو ألا تُكثِروا من الحديث عن هذا الأمر.