دعا الدكتور محمد محمود أبوهاشم نائب رئيس جامعة الأزهرعلماء المسلمين في مختلف بقاع الارض لتجديد خطابهم الديني بما يتناسب مع متغيرات المرحلة، والتركيز على نشر ثقافة الوسطية والاعتدال لمواجهة الفكر المتطرف وتحصين عقول الأمة من وباء التطرف والغلو. وأكد في حديث خاص ل«اليوم» أن المرحلة الحالية تتطلب أن نعرف أولوياتنا حتى لا يكون السعى بعيدا عن الواقع، مطالبا بضرورة أن يؤكد العلماء على حقيقة أن وسطية الاسلام تجعل المسلم لا ينظر الى الآخر بازدراء، ويؤمن بالتعددية الحضارية والثقافية ويعمل على تنمية آفاق التواصل الحضاري والافادة من الآخر في المنهج العلمي وتجديد الاحساس بقيمة الوقت وقيمة العمل والدعوة الى شراكة انسانية قوية قوامها التبادل العادل للمصالح والسعي الجاد لخفض أصوات الغلاة من المتطرفين. وفي الحديث التالي نتعرف على المزيد من آرائه... فإلى التفاصيل: اختراق الازهر * بداية نريد من فضيلتكم تسليط الضوء حول حقيقة ما تردد أن الازهر قد تم اختراقه فكريا من قبل بعض الجماعات المتشددة في مرحلة خاصة خلال فترة حكم الإخوان المسلمين لمصر؟ * الاختراق تم لمؤسسات الدولة في مصر كلها، والأزهر وجامعته مستهدفان منذ حكم جماعة الإخوان، وكان هذا الاستهداف واضحاً وقوياً أمام الجميع وكانت له أهداف سياسية، فالإخوان أخذوا الدين شعارا يتسترون به لتحقيق أغراض سياسية، وكنا نحن كأزهريين نظن انه اختلاف رأي وفكر، وعندما تم اكتشاف الأمر وجدنا أنه مخطط مدروس انفقت عليه مليارات الجنيهات، وكان هدفه التأثير على الازهر، فالإخوان عندما جاءوا إلى الحكم وهم يروجون أنفسهم على أنهم مؤسسة دينية، لكن كان الأزهر عثرة أمامهم، ولا ذكر لوجودهم، فحاولوا بكل ما أوتوا من قوة التخلص من الأزهر الشريف لينفذوا مخططهم، بالاضافة إلى ذلك فإن الإخوان ما زالوا يديرون حربا إعلامية رغم طرد الشارع لهم وعجزهم على الحشد، إلا أنهم لن يفقدوا سيطرتهم على بعض وسائل الإعلام بأسلوب غير مباشر، وذلك بتسليط الضوء على الأزهر لإظهاره بصورة غير حقيقية، وهذا من الخبث والدهاء في المعاملة وليس بجديد على الاخوان، ولكن الحمد لله تم التصدي بقوة لهذا المخطط الرهيب، وانحسر هذا الفكر وعاد الازهر منبرا للوسطية والاعتدال يؤدي دوره في خدمة الاسلام والمسلمين. * على ذكر ما يتعرض له الأزهر من حملات تشويه لدوره العلمي والدعوي، فقد طالب الكاتب والروائي الراحل جمال الغيطاني بإلغاء جامعة الأزهر وضمها لإحدى الجامعات الحكومية فما تعليقك؟ * الكاتب الراحل جمال الغيطاني تراجع عن هذا الكلام وجاءنا في الازهر قبل وفاته وأبدى وجهة نظره وغيرته على الازهر، وكان له بعض الانتقادات والتحفظات على ما يحدث بالجامعة، وتراجع عن كلامه. مخطط لتقسيم العالم الإسلامي * لعلكم تتابعون الاوضاع المأساوية التي تمر بها الأمة العربية والاسلامية من اضطرابات ومشكلات هنا وهناك وفي المقدمة ظهور جماعات إرهابية تقتل وتدمر باسم الاسلام، ما تعليقكم؟ -لا شك أن ما يجري من أحداث في عالمنا العربي والاسلامي كان مُخطط له من قبل، ولا يخفى علينا أن خُطة وُضِعَت لتقسيم العالمين الإسلامي والعربي، وتفتيت بعض دول المنطقة وإضعاف الدول العربية والإسلامية حتى لا تكون لدولة منها الغلبة على إسرائيل، كما ان الدول الاستعمارية تعمل على تنفيذ مخططات من أجل الهيمنة والسيطرة على مقدرات هذه الشعوب. -لكن هناك مشكلة تواجه المسلمين جراء ظهور جماعات إرهابية تقتل وتدمر باسم الاسلام، والعالم لا يفرق بين الاسلام وبين ما يقوم به هؤلاء الارهابيون من اعمال ضد الانسانية؟ * يجب ان يعلم الجميع ان الإسلام راعى حقوق الإنسان بصورة كبيرة، بخلاف الجماعات الإرهابية التي تقوم بتسييس النص ولي عنقه من أجل تبرير جرائمها. o وما الحل؟ -يجب أن يكون الحل الفكري مع الحل الأمني، وعلماؤنا والحمد لله من خلال المؤسسات الدينية "الأزهر ووزارة الأوقاف" وبالتعاون والتنسيق بين جميع مؤسسات الدولة يعملون لمواجهة خطر هذه الجماعات الإرهابية. وأدعو علماء المسلمين في مختلف بقاع الارض إلى تجديد خطابهم الديني بما يتناسب مع متغيرات المرحلة، والتركيز على نشر ثقافة الوسطية والاعتدال لمواجهة الفكر المتطرف وتحصين عقول الأمة من وباء التطرف والغلو. دور العلماء * كيف ترى الدور الذي يجب أن يقوم به العلماء خلال الفترة الحالية؟ * إن المرحلة الحالية تتطلب ان نعرف أولوياتنا حتى لا يكون السعي بعيدا عن الواقع، ولا بد أن يؤكد العلماء على حقيقة أن وسطية الاسلام تجعل المسلم لا ينظر الى الآخر بازدراء، ويؤمن بالتعددية الحضارية والثقافية ويعمل على تنمية آفاق التواصل الحضاري والافادة من الآخر في المنهج العلمي وتجديد الاحساس بقيمة الوقت وقيمة العمل والدعوة الى شراكة انسانية قوية قوامها التبادل العادل للمصالح والسعي الجاد لخفض أصوات الغلاة من المتطرفين. * لكن للأسف هناك بعض العلماء ممن يطلقون الفتاوى المثيرة للجدل على مسامع العامة فيشغلون الساحة بالجدل بدلا من نشر الوعي للارتقاء بحال المسلمين ومحاربة التطرف والإرهاب. * يجب أن يسعى الجميع للاصلاح ونشر الوعي الديني الصحيح؛ لأن الاصلاح فريضة شرعية يوجبها الدين، فضلا عن انه ضرورة واقعية يحتمها واقع الأمة، فالأمة تترنح بين تيارين أحدهما يدعو للغلو والتطرف الديني، في مقابل الغلو اللا ديني، ولا شك أن هذين التيارين مرفوضان، فالأمة ستضيع بين إفراط وتفريط التيارين، فلا بد أن يبرز بين هذين التيارين تيار أفضل هو تيار الوسطية الاسلامية التي تصل المسلمين بأصولهم وتربط بين حاضرهم وماضيهم، فالأمة الوسط هي الامة الاسلامية التي عناها الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز، حيث قال: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس".