لم يسبقني أحد إلى إخراج مخطوط البلقيني أو تحقيقه، وذلك من فضل الله علي ثم جاء بعد ذلك من سطا عليه وادعى لنفسه التحقيق وما هو إلا اختزال لتحقيقي وتلفيق، والباحث المدقق يستطيع الوقوف على حقيقة ذلك. ووالله لقد أصبت من بركة هذا المخطوط ما إن حدثت به كذبت، لكني لا أذكر شيئاً من ذلك وأكتفي بسرد قصة عثوري عليه في إيجاز واختصار، حيث قضيت فترة أقلب في بطون كتب الفهارس والمخطوطات ولم أصل إلى نتيجة إلا أنَّ الجميع ينسب ذلك الكتاب إلى البلقيني وذهبت مرات عدة إلى دار الكتب المصرية فلم أعثر له على أثر، حتى شاء الله وأذن، وبين أنا أبحث وأصابني الملل وكدت أسلم وأجزم كالآخرين أن المخطوط مفقود طلبت من أحد أمناء صالة الميكروفيلم مخطوطاً للإمام السيوطي لعلي أجد لنفسي شيئاً عنده لم يحقق فآخذه لتحقيقه وأعزف عن فكرة تحقيق كتاب البلقيني لأني حسب ظني لن أصل إليه، وبالفعل أحضرت لي واحدة من العاملات في صالة الميكروفيلم مجموعة بطاقات لمؤلفات الإمام السيوطي وقالت لي اختر منها ما شئت وحدده لي من خلال هذه البطاقات لأحضره لك، وكانت المفاجأة وهي واحدة من كثيرات غيرها مع هذا المخطوط أني من شدة مللي وإعيائي رأيت بطاقة كتاب الإمام ابن القيم حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح مدرجة ضمن مؤلفات السيوطي وعهدي بالكتاب أنه لابن قيم الجوزية فمن باب الفضول ليس أكثر قلت: ربما يكون السيوطي هو الآخر ألف كتاباً بهذا العنوان فطلبت رؤيته على الميكروفيلم حيث يمنع التعامل مع المخطوطات مباشرة إلا للعاملين بالدار، وبالفعل جعلت أتصفح الكتاب فإذا هو مسجل عليه في أوله أنه لابن القيم، فذهبت إلى آخر الكتاب فإذا هو كذلك غير أنه كانت المفاجأة التي لا أكاد أصدقها حتى كلما رويتها فإذا بي أتصفح كتاباً آخر موجودا مع كتاب ابن القيم على نفس الميكروفيلم ألا وهو كتاب مواقع العلوم في مواقع النجوم للبلقيني) وقف المكتبة الزكية نسبة إلى أحمد زكي باشا أحد كبار المحققين في مصر فكدت أذهل مما رأيت وسبحت الله وكبرت، وعلمت أنَّ هذه إشارة قوية على تحقيق هذا المخطوط وأن الله أراد إظهاره وإخراجه من محبسه في خزانة دار الكتب والوثائق القومية، فزففت البشرى إلى شيوخي وأساتذتي الأفاضل الذين سبقت الإشارة إليهم، وبدأت أخبر المسؤولين في دار الكتب أنَّ في فهرسة البطاقات الورقية خطأ واستجابوا ووعدوا بإعادة الفهرسة واعتذروا عن الخطأ، وبدأت أنا في الاستعداد لتحقيقه والعمل على إخراجه حتى أتم الله النعمة وحقق المخطوط وطبع طبعة جيدة في دار الضياء بمصر، أسأل الله أن يرحم مؤلفه وأن يغفر لمحققه، وأن يجعله لوجهه خالصاً.