قبل بضع سنوات، عندما لم يكن قد بدأ الانتعاش الاقتصادي بعد، كان يتساءل كثير من الناس لماذا لم يكن النمو في ارتفاع؟. أحد التفسيرات: أن الاحتياطي الفيدرالي لم يكن يقدم ما يكفي من التسهيل النقدي. والفكرة الأخرى كانت أنه كان ينبغي على الكونجرس إنفاق المزيد. لكن المحافظين والمؤمنين بالأسواق الحرة، الذين هم عموما ضد التدخل الحكومي، كانوا مترددين جدا في تبني تلك التفسيرات. تحول كثير منهم إلى إجابة بديلة: عدم اليقين الذي يحيط بالسياسة الاقتصادية. كانت هذه هي الفرضية التي تقول إن الشركات تحجم عن الاستثمارات؛ خوفا من أي تدخل حكومي ممكن. وقد كان المؤيدون الرئيسيون لهذا الرأي هم سكوت بيكر من كلية كيلوج للإدارة في جامعة نورثويسترن، وستيفين ديفيز من كلية بوث لإدارة الأعمال في جامعة شيكاغو. في عام 2011، كتب بيكر افتتاحية تحريرية في بلومبيرح ذاكرا فرضية عدم اليقين في السياسة الاقتصادية: «العامل الرئيسي وراء الانتعاش الضعيف والنظرة المستقبلية القاتمة هو جو من عدم اليقين الناجم عن السياسة. لم يكن استمرار سياسة عدم اليقين أمرا حتميا. بدلا من ذلك، هو علامة على قرارات سياسية متعمدة، وهجمات كلامية ضارة ضد الشركات و"أصحاب الملايين"، وفشل في التعامل مع الاختلالات المالية والإصلاحية المستحقة، وسياسة حافة الهاوية السياسية». وقد أدرج بيكر عددا من التدخلات التنظيمية، كما ذكر أيضا المعركة على تحديد سقف الدين (وتعطيل الميزانية في الكونجرس) والتحديات القانونية لبرنامج أوباما كمصدر لعدم اليقين في السياسة. كانت مطالبات بيكر تستند إلى البحوث التي أجراها مع ديفيز ومع نيكولاس بلوم في جامعة ستانفورد. بحث الخبراء الاقتصاديون الثلاثة في المواضيع الإخبارية التي تتحدث عن فكرة عدم اليقين، ووجدوا أن المقياس لديهم تزامن مع الأحداث الرئيسية الجيوسياسية والسوقية. ومن ثم، أظهروا أن الزيادات في مؤشر عدم اليقين هذا كان يغلب عليها أن تسبق التراجعات في الاستثمار والنمو والعمالة وأسعار الأسهم. حتى أنهم قاموا بإنشاء موقع إلكتروني لتتبع مثل هذه المقاييس حول عدم اليقين في السياسة في بلدان مختلفة. لكن رغم تلك الجهود، فكرة أن اللبس الذي يحيط بالسياسة الاقتصادية هو المسبب الرئيسي للتقلبات الاقتصادية كانت فكرة مرفوضة من قبل المختصين في الاقتصاد الكلي. السبب الأكثر احتمالا هو أنه يوجد ضعف رئيسي في حجة عدم اليقين- وهو أن من الصعب إظهار العلاقة السببية، بمعنى أن من الصعب إثبات أن اللبس في السياسة الاقتصادية هو بالضبط السبب في وقوع التقلبات. تماما كما أن صياح الديوك لا يتسبب في شروق الشمس، قد يكون اللبس الذي يحيط بالسياسة الاقتصادية؛ نتيجة لعدم يقين كامن بشكل أعمق حول الاتجاه الذي يتخذه الاقتصاد. من السهل أن نرى كيفية حدوث هذا. افترض حدوث انهيار في أسواق الأسهم والمساكن، ما يهدد النظام المالي والاقتصاد الحقيقي. من الواضح أن صناع السياسة سيحاولون فعل شيء ما حيال ذلك، لكن رد فعلهم قد يكون متباينا. ربما يقررون زيادة الإنفاق رغم العجز، أو تنظيم قطاع الصناعة المالية، أو إنقاذ البنوك، أو الانخراط في برنامج التسهيل الكمي. لكن رد فعل الحكومة قد يكون بكل بساطة هو أمرا عرضيا أمام القوى الحقيقية التي يعاني منها الاقتصاد. بدلا من ذلك، قد تأتي فترات الركود من مصادر غير حكومية، مثل الانهيارات والأزمات المالية، لكن إمكانية ردود فعل حكومية فاشلة ربما تؤدي إلى تفاقم الركود. منذ أن أتى بيكر وبلوم وديفز بفرضية عدم اليقين، كان هنالك انخفاض كبير ومستمر في مؤشر عدم اليقين. لكن معدل الانتعاش الاقتصادي في الولاياتالمتحدة بقي بطيئا وثابتا، ما أدى إلى تساؤل الكثيرين عما إذا كانت فكرة عدم اليقين هي أمر عرضي لا يؤثر فعلا في الأحداث. تحرك فريق من خبراء الاقتصاد الكلي التجريبي مؤخرا للتحقيق في قضية عدم اليقين بشكل أعمق. هناك بحث جديد من تأليف سيدني لدفيجسون وساي ما من جامعة نيويورك وسيرينا نج من جامعة كولومبيا، يدرسون فيها ما إذا كانت حالة عدم اليقين هي أمر داخلي أو خارجي- بمعنى، ما إذا كانت هي السبب وراء الاضطراب الاقتصادي، أم كانت نتيجة له. يتطلب المنهج الإحصائي لديهم بعض الافتراضات الجريئة، لكنه يسمح بتفسير العلة والنتيجة. يجد لدفيجسون وما ونج أن عدم الاستقرار المالي يبدو أنه هو السبب وراء كل نوع آخر من حالة عدم اليقين الاقتصادي- بعبارة أخرى، ان عدم الاستقرار المالي يبدو أمرا خارجيا في حين تبدو الأنواع الأخرى من اللبس داخلية. وهذا يعزز ما وجده كثير من خبراء الاقتصاد الكلي الآخرين منذ الأزمة- وهو أن التمويل يبدو غالبا هو الذي يحرك الاقتصاد الحقيقي. إذن ماذا تعني هذه النتيجة بالنسبة لفرضية عدم اليقين السياسية. من ناحية، هي تعزز الفكرة بأن اللبس، بالمعنى العام، هو سيئ جدا بالنسبة للاقتصاد. لكنها تعني ضمنا أنه إذا كانت السياسة الاقتصادية فعلا هي سبب هذه الحالة من اللبس، فلا بد لها من القيام بذلك من خلال تأثيرها على الأسواق المالية. ومن غير المرجح أن تكون أسبابها هي الاعتراضات القانونية على برنامج الرعاية الصحية من الرئيس أوباما أو تشديد القوانين التنظيمية أو تصنيع الطائرات. هناك أسباب قوية تدعونا إلى التشكك في فرضية بيكر وبلوم وديفيس. من الصعب إلقاء اللوم في وقوع الركود العظيم (في أعقاب الأزمة المالية الأخيرة) على إدارة أوباما أو الجمهوريين في الكونجرس. يبدو أن التفسير المرجح هو أن الصناعة المالية انهارت تماما بفعل أوضاعها الذاتية، وأن الركود العظيم جاء نتيجة لذلك.