لن يختلف معي أحد على أن الارتفاع الهائل في أسعار الأراضي هو ما أوصلنا إلى أزمة السكن الحالية، ولن يختلف معي الكثيرون على أن هذه المستويات من الأسعار ليس لها مبررات حقيقية يمكن الركون إليها والتسليم بها في مساحة جغرافية كالتي تمثلها المملكة، لكن الاجتهادات ستنصب على الأسباب والمراحل التي أدت إلى هذه القفزات السعرية للأراضي وأيضاً الحلول الناجحة لمواجهة هذه المعضلة. ومن واقع متابعتي ورصدي الدقيق لتجارة الأراضي على مدى أكثر من عقد أستطع الجزم بأن السبب المباشر لارتفاع أسعار الأراضي يعود إلى اتساع عمليات المضاربة وتركزها في تجارة الأراضي لسنوات طويلة، مضاربات سلبية تفرعت من ممارسة تجارية عريقة كان لها خصائصها وملامحها التي يمكن تلخيصها في انحسار هذا النشاط في مجموعة محدودة من العقاريين التقليديين الذين يريدون السوق فيما بينهم بمنطق بسيط وبطيء في نفس الوقت، والقبول بعائد بسيط نسبياً تبرره عدة أسباب منها السمات الشخصية للعقاريين القدامى والقواعد التي تحكم السوق في ذلك الوقت، بالإضافة إلى انعدام شبه تام لأي تكلفة تشغيلية، هذه الحالة امتدت لعقود لم تسجل فيها أي قفزات أو مبالغات لافتة في مستويات الأسعار بالرغم من ظهور أسلوب المساهمات العقارية التي ابتكرها العقاريون الرواد لكنهم أبقوها ضمن القواعد المتبعة بينهم. التحول الكبير لأسعار الأراضي بدأ قبل أكثر من عشر سنوات حيث اتخذ خطين متوازيين أدياً مباشرة إلى ما نحن فيه، الأول فتح السوق العقاري على مصراعيه أمام مختلف شرائح المجتمع من قبل مجموعة جديدة من العقاريين التحول الكبير لأسعار الأراضي بدأ قبل أكثر من عشر سنوات حيث اتخذ خطين متوازيين أدياً مباشرة إلى ما نحن فيه، الأول فتح السوق العقاري على مصراعيه أمام مختلف شرائح المجتمع من قبل مجموعة جديدة من العقاريين عملت على جعل المساهمات العقارية في صدارة المشهد باعتبارها قناة استثمارية آمنة وذات عوائد ربحية هائلة، مما استقطب أفراد المجتمع الساعين إلى الربح السريع، وأفرز عمليات مضاربة واسعة على أسهم مئات المساهمات العقارية في أنحاء المملكة، وبما أن هذه الأسهم تمثل أمتارا مربعة فقد قفز سعر المتر إلى معدلات خرافية في فترات بسيطة دون مبرر حقيقي ولكن بدفع من عمليات مضاربة لا تتوقف. أما الخط الثاني فتتوجه مجموعة من العقاريين الجدد إلى سوق عقاري آخر متمثل في تجميع أراضي المنح التي تقدمها الدولة للمواطنين والتي تميزت في تلك السنوات بكونها تقع في مناطق لا تتوفر بها أي خدمات علاوة على بعدها عن النطاقات العمرانية مما جعلها غير عملية لأصحابها، فكان بيعها من وجهة نظرهم أكثر فائدة على المدى القصير، فتلقاها مشترون ليسوا في عجلة في أمرهم، ويمكننا أن نلمس ثمار رهانهم على الوقت في هذه الأيام. وقبل أن أنتقل إلى ما أراه يمثل الحلول الممكنة لمعضلة ارتفاع أسعار الأراضي التي هي في صميم أزمة السكن لابد من الإشارة إلى أن واقعنا السكني أصبح يكشف أن معيارنا أصبح معكوساً فالسائد في معظم دول العالم أن تكلفة الأرض تمثل 30 في المائة في التكلفة الإجمالية للمبنى، فيما تمثل قيمة الأرض المناسبة للسكن في المملكة ما قد يزيد على 60 في المائة من تكلفة المبنى. وبما أننا نتحدث عن واقع غير منطقي لا يقبله أحد، فإنني أرى أن تتجه الدولة إلى تطوير مخططات جديدة وضواحٍ متكاملة الخدمات في أطراف المدن بحيث يتمكن المواطن السعودي من الحصول على قطعة ارض مناسبة لبناء مسكنه عليها لكنه لا يستطيع بيعها، بالتزامن مع إنشاء وزارة معنية بحل أزمة السكن يتم فيها دمج كل الأجهزة الحكومية المعنية بهذا الموضوع مثل صندوق التنمية العقاري، وهيئة الإسكان العامة، والأجهزة الحكومية المعنية، وبعض الجهات في القطاع الخاص للعمل سريعا على حل هذه الأزمة.