خطت إيران خطوة أخرى على طريق التصعيد مع المملكة العربية السعودية، وأعلنت حكومة الرئيس حسن روحاني «منع دخول كل المنتجات السعودية» أو المستوردة من المملكة، فيما تحدّثت الخارجية الإيرانية عن استهداف مقاتلات سعودية سفارة طهران في صنعاء. لكن قيادة تحالف دعم الشرعية في اليمن كذَّبت ما ذكره المتحدث باسم الخارجية الإيرانية من اتهام لطائرات التحالف باستهداف سفارة إيران في العاصمة اليمنية صنعاء. وأوضحت في بيان لها أمس (الخميس) - بحسب وكالة الأنباء السعودية - أنها «اطلعت على ما ذكره المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، وتود التأكيد أن قوات التحالف، بعد المراجعة والتحقق، أثبتت كذب هذه المزاعم، وأنه لم تُنفذ أية عمليات في محيط السفارة أو قربها، كما تؤكد لقيادة التحالف سلامة مبنى السفارة وعدم تعرضه لأضرار». وأضاف البيان أن «قيادة التحالف تود أيضاً تنبيه جميع البعثات الديبلوماسية بصنعاء إلى ضرورة عدم إتاحة الفرصة لعناصر الميليشيا باستخدام مباني البعثة العاملة أو التي تم إخلاؤها في أي عمل عسكري؛ لأن ذلك يعد مخالفة وانتهاكاً للأعراف والمواثيق الدولية، ويعرِّض المواطنين وممتلكاتهم للخطر». وكان المتحدث باسم قوات التحالف العميد ركن أحمد عسيري أكد أمس أن الاتهامات الإيرانية باستهداف طائرات التحالف مبنى سفارة طهران في صنعاء تفتقر إلى الصدقية، مشدداً على أن «قوات التحالف طلبت من جميع الدول إمدادها بإحداثيات مواقع مقار بعثاتها الديبلوماسية». في حين أوردت وكالة «أسوشييتد برس» معلومات لمراسلها في العاصمة اليمنية، تنفي تعرُّض السفارة لأي ضرر. وفي وقت لاحق أكدت طهران عزمها على إبلاغ مجلس الأمن بالحادث. واستبعد ولي ولي العهد السعودي وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان نشوب «حرب مباشرة» بين المملكة وإيران، معتبراً أن «أي شخص يدفع بهذا الاتجاه ليس عاقلاً، لأن حرباً كهذه ستكون بداية كارثة كبرى في المنطقة، وستنعكس بقوة على بقية العالم، ولن نسمح بها». وأشار في مقابلة شاملة مع مجلة «ذي إيكونوميست» البريطانية استمرت خمس ساعات، إلى أن العمل مع الولاياتالمتحدة «قوي جداً وواسع النطاق، ولكن على الولاياتالمتحدة أن تدرك أنها (القوة) الرقم واحد في العالم، وأن عليها التصرف» كما يتطلب هذا الموقع. وأضاف: «نفهم أيضاً أننا جزء من المشكلة لعدم إيصال رأينا في شكل واضح إليها (واشنطن) وهذا سيتغير مستقبلاً». وقال إن تنفيذ أحكام بالإعدام في السعودية شأن قضائي «وأبواب المحاكم كانت مفتوحة أمام أي صحافي أو إعلامي. المحاكم لم تميز على الإطلاق بين سني وشيعي، بل تنظر في جريمة». واعتبر أن التصعيد الإيراني «أمر غريب»، وتساءل: «ما علاقة إيران بمواطن سعودي ارتكب جريمة في السعودية وصدر عليه حكم من محكمة سعودية؟ إذا كان هذا يثبت شيئاً، فإنما يثبت سعي إيران إلى توسيع نفوذها على دول المنطقة». وشدد على أن الرياض «لم تصعّد ضد إيران إلا بعدما صعّدت هي»، وقال: «تخيَّلوا لو كان هناك أي من الديبلوماسيين السعوديين أو عائلاتهم أو أطفالهم في السفارة (السعودية في طهران) وقت الهجوم. كان وضع إيران سيصبح أكثر صعوبة. نحن وفرنا على إيران الوقوع بمأزق كهذا. السفارة السعودية أُحرِقت، فيما تشاهد الحكومة الإيرانية». واستبعد مزيداً من التصعيد على خلفية إحراق السفارة، قائلاً: «نحاول قدر الإمكان عدم التصعيد أكثر من ذلك». ورداً على سؤال هل باتت إيران العدو الأكبر للمملكة، أجاب: «لا نأمل بذلك». وفي الشأن اليمني، ذكّر ولي ولي العهد السعودي بمبررات العمليات العسكرية، رافضاً اعتبار نفسه «مهندس» عملية «عاصفة الحزم»، وزاد: «نحن دولة مؤسسات» والقرار كان جماعياً. وتابع أن القرار كان مرتبطاً بما فعله الحوثيون، و «يجب ألاّ ننسى أنهم استولوا بالقوة على صنعاء، وكانت لديهم صواريخ على بعد 30- 50 كلم من حدودنا... لسنا في مستنقع في اليمن، وللعمليات أهداف مختلفة. الهدف الأول لعاصفة الحزم كان تدمير الدفاعات الجوية والصواريخ للحوثيين ودمرنا 90 في المئة منها. كل جهودنا للدفع باتجاه حل سياسي، لكن ذلك لا يعني السماح لميليشيا بالتوسع على حدودنا. عليهم أن يدركوا أنهم سيخسرون أكثر على الأرض مع كل يوم يمر من دون التوصل إلى حل سياسي». وكانت السعودية قطعت علاقاتها الديبلوماسية مع إيران الأحد الماضي، بعد اعتداءات على سفارة المملكة في طهران وقنصليتها في مشهد. وبعدما قطعت البحرين والسودان وجيبوتي العلاقات تضامناً مع السعودية وتنديداً بالاعتداءات، اتخذ الصومال خطوة مماثلة أمس، وأمهل الديبلوماسيين الإيرانيين 72 ساعة لمغادرته. وأعلنت الصين أنها أوفدت نائب وزير خارجيتها الى السعودية وإيران لتهدئة الأزمة. وفي إسلام آباد التقى وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أمس رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، وعرضا تداعيات الاعتداء على سفارة المملكة في إيران وقنصليتها. وأوضح الجبير، في لقاء مع قناة «سي أن بي سي» الأميركية، أن السعودية ليست في حاجة إلى الوساطة، رداً على سؤال حول عرض روسيا التوسُّط في الأزمة بين الرياضوطهران. وقال: «نعرف أين إيران، وإيران تعرف أين السعودية، والإيرانيون يعرفون نقاط خلافنا معهم، وما عليهم القيام به لإثبات جدّيتهم وبناء علاقات طبيعية معنا، ونحن سنفعل الشيء نفسه». وقررت الحكومة الإيرانية في اجتماع عقدته أمس منع استيراد كل البضائع المصنّعة في السعودية أو تلك التي تدخل الأراضي الإيرانية عبر المناطق التجارية الحرة من الموانئ السعودية. وتقرر في الاجتماع الذي رأسه الرئيس حسن روحاني، استمرار تعليق حجّ العمرة للإيرانيين. وأشار الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية جابر أنصاري، إلى أن طائرات حربية سعودية استهدفت مبني سفارة إيران في العاصمة اليمنية صنعاء «ما ألحق أضراراً في مبني السفارة وأدى إلي جرح عدد من حراسها». وذكر أن هذا التطوُّر «يُعتبر انتهاكاً صارخاً لكل القواعد والأعراف الدولية التي تدعو إلى الحفاظ علي أمن المقار الديبلوماسية في كل الظروف». إلى ذلك، ذكر رئيس لجنة الشؤون الداخلية في البرلمان الإيراني أمير خجسته، أن اللجنة ستدرس آلية للحفاظ علي أمن السفارات في إيران، بمشاركة الجهات الأمنية والاستخباراتية في البلد. وطالب وزارة الداخلية بتكثيف جهودها للحفاظ علي مقار البعثات الديبلوماسية في إيران، والحيلولة دون تكرار الحوادث السابقة التي «لم تكن مقبولة وتتعارض مع الأعراف الدولية»، في إشارة إلى الحريق الذي أضرمه محتجّون في مبني السفارة السعودية في طهران والاعتداء على قنصليتها في مدينة مشهد. وكان روحاني طلب الأربعاء من رئيس السلطة القضائية الإيرانية إجراء محاكمة سريعة وفعّالة للأشخاص الخمسين المتّهمين بالضلوع في الهجوم على السفارة. في غضون ذلك، وصل وزير الخارجية السعودي إلى إسلام آباد في بداية زيارة رسمية لباكستان تستمر يومين، والتقى في مقر قيادة الجيش الباكستاني قائد الجيش الجنرال راحيل شريف للتفاهم مع القيادة العسكرية حول السبل التي ستشارك فيها باكستان في التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب. وأشار الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة الباكستانية إلى أن الجانبين عرضا «الأوضاع الأمنية في المنطقة والجهود التي بذلتها باكستان من اجل الاستقرار والقضاء على الجماعات المتطرفة والمسلحة في أراضيها، والحاجة إلى تعاون الدول الإسلامية في هذا المجال». وكانت باكستان دانت الاعتداء على السفارة السعودية في طهران، ووصفته بأنه عمل «بربري». وتزامن وصول وزير الخارجية السعودي إلى إسلام آباد مع بدء حملة شعبية تأييداً للسعودية واستنكاراً ل «دور إيران في الخليج العربي واليمن وسورية والعراق». وتشهد إسلام آباد اليوم مسيرة سلمية تأييداً للمملكة واستنكاراً للسياسة الإيرانية، ويتوقّع أن تضم مئات الآلاف.