بدأت علاقتي في الاهتمام بموضوع المرأة تأملا ونظرا، كتابة وبحثا، حين طلب مني في صيف 1995م تقديم محاضرة في العاصمة الأردنية عمان حول المرأة في الخطاب الإسلامي، وكانت وجهة نظري التي شرحتها آنذاك حين تسلمت الدعوة، أن المرأة هي الأحق في الحديث عن هذا الشأن وليس الرجل الذي استحوذ بغير حق على هذا الموضوع في نظر المرأة، وكأنه المخول بالحديث عنه، وبالشكل الذي ضاقت المرأة منه ذرعا. وبعد الإصرار قبلت الدعوة، لكني اشترطت أن تكون هناك معقبة امرأة على الموضوع، وقبلوا مني هذا الشرط والتزموا به، وقد أعددت ورقة بعنوان: (المرأة في المشروع الإسلامي المعاصر من منظور نقدي)، وعقبت عليها في ورقة مكتوبة الدكتورة عيدة المطلق من جامعة اليرموك والناشطة في العمل النسائي هناك، وكانت محاضرة ناجحة جدا بشهادة الحاضرين نساء ورجالا. وهذه الدراسة هي باكورة كتاباتي حول موضوع المرأة، وقد نشرت بعد المحاضرة في ثلاثة منابر فكرية، هي مجلة النور الصادرة آنذاك في لندن، ومجلتا: الإنسان المعاصر والكلمة الصادرتان في بيروت، إلى جانب ذلك جرى التطرق إلى هذه الدراسة وبنوع من الاهتمام في عدد من المقالات والمؤلفات التي تمكنت من الاطلاع عليها. وفي صيف 1996م أهداني الشيخ محمد مهدي شمس الدين في بيروت كتابه القيم (مسائل حرجة في فقه المرأة) وطلب مني التنويه به، ووعدته بذلك، وحين اطلعت على الكتاب الذي يتكون من أربعة أجزاء هي: الستر والنظر، أهلية المرأة لتولي السلطة، حقوق الزوجية، حق العمل للمرأة، وجدته كتابا في غاية الجدة والأهمية، ينطلق من رؤية فقهية وفكرية، إصلاحية وتجديدية، ومتحررة من حاكمية النسق الفقهي والفكري المهيمن بشدة على الكتابات الإسلامية حول المرأة. وفي هذا النطاق أعددت العمل الثاني عن المرأة بعنوان (الفكر الإسلامي وقضايا المرأة) نشر في ثلاثة منابر فكرية هي: مجلة الكلمة، ومجلة قضايا إسلامية معاصرة الصادرة حاليا في بغداد، وترجم إلى الإنجليزية ونشر في مجلة شؤون الشرق الأوسط الصادرة في العاصمة الأمريكيةواشنطن. وفي سنة 2000م، تجدد الحديث حول قاسم أمين وذلك بمناسبة مرور مائة سنة على صدور كتابه الشهير (تحرير المرأة)، فتابعت الكتابات التي نشرت حوله، ورجعت إلى الأعمال الكاملة التي جمعها الدكتور محمد عمارة واطلعت على أجزاء منها وبالذات كتابي (تحرير المرأة) و(المرأة الجديدة)، فتولدت عندي بعض الأفكار ووجهات النظر التي دونتها في العمل الثالث الذي أعددته حول المرأة، وحمل عنوان (الفكر العربي المعاصر وتجديد منهج النظر في قضايا المرأة) نشر سنة 2000م. وفي السنوات الأخيرة من القرن العشرين تزايدت الأنشطة النسائية غير الحكومية، وأخذت الحكومات في العالم العربي والإسلامي تراجع منظوماتها التشريعية والقانونية وبالذات المتعلقة بقضايا المرأة والأحوال الشخصية، وتنامى الاتجاه النقدي في بعض الخطابات الإسلامية المعاصرة حول موضوعات المرأة، وبدأت المرأة في المجتمعات العربية والإسلامية ترفع صوتها، وتطالب بإصلاح أوضاعها، بعد أن تقدمت في ميادين العلم والتعليم، واقتحمت مجالات العمل والنشاط العام. هذه التغيرات والتحولات كانت تنبئ عما يمكن وصفه بصحوة نسائية جديدة، أو أنها كشفت عن إمكانية أن يتشكل تفكير جديد، أو أعطت أملا بهذا التفكير الجديد في النظر لقضايا المرأة، الأمر الذي كان يحفز على تكوين رؤية حول هذه الفرضية، وفي هذا النطاق أعددت العمل الرابع بعنوان: (الفكر الديني وتجديد النظر في قضايا المرأة). هذه الأعمال الأربعة جمعتها لاحقا في كتاب حمل عنوان: (تجديد التفكير الديني في مسألة المرأة) صدر في بيروت سنة 2001م. وفي سنة 2007م دعيت للمشاركة في مؤتمر عالمي حول وضع المرأة المسلمة في المجتمعات المعاصرة عقد في العاصمة الماليزية كوالالامبور، وأعددت لهذه المناسبة العمل الخامس حول المرأة بعنوان: (دور المرأة في تجديد رؤية الفكر الإسلامي لمسألة المرأة). وقد ترأست في هذا المؤتمر إحدى الجلسات، وطالبت في مقدمة حديثي بتسليم رئاسة جميع جلسات المؤتمر إلى النساء باعتبار أن المؤتمر حول المرأة، وقلت في كلمتي: إنني القادم من العالم العربي كنت أتأمل أن أجد في ماليزيا شيئا مختلفا ومدهشا يتحدد في إعطاء المرأة رئاسة جميع جلسات المؤتمر، الكلمة التي أثارت دهشة الحاضرين، وترتب عليها أن كل من تغيب أو تأخر من الرجال عن ترأس الجلسات كانت تسلم إلى النساء، وهذا ما حصل بالفعل في بعض الجلسات. وفي سنة 2007م اطلعت على سلسلة كتابات نشرها الشيخ يوسف الصانعي بعنوان (سلسلة الفقه المعاصر) تطرقت معظمها لقضايا المرأة، فوجدت أنها تحتوي على آراء واجتهادات جديدة وحديثة هي في غاية الأهمية في موضوع المرأة، وتكشف عن منحى جديد داخل الفقه الإسلامي الشيعي في مجال دراسة قضايا المرأة، وفي هذا النطاق أعددت العمل السادس حول المرأة بعنوان (المنحى الجديد في الفقه الشيعي في مجال المرأة) نشر سنة 2007م. وفي سنة 2008م أصدرت طبعة جديدة من كتابي حول المرأة، ضممت إليه العملين الجديدين، وصدر بعنوان: (الإسلام والمرأة.. تجديد التفكير في مسألة المرأة)، وفي سنة 2009م صدرت طبعة ثالثة من الكتاب. وفي سنة 2014م شاركت في مؤتمر: (قضايا المرأة.. نحو اجتهاد إسلامي معاصر) نظمته في مدينة الإسكندرية المصرية مكتبة الإسكندرية بالتعاون مع عدد من المؤسسات غير الحكومية صدرت عنه في نهاية المؤتمر وثيقة (إعلان الإسكندرية حول حقوق المرأة في الإسلام). والسمة التي ميزت هذا المؤتمر أن جميع الأوراق قدمتها نساء، وتم تكليف الرجال بتقديم تعقيبات مكتوبة على هذه الأوراق، وكنت أحد المعقبين على ورقة من الأوراق. وفي الجلسة التي قدمت فيها التعقيب، وكانت برئاسة مفتي مصر فضيلة الدكتور الشيخ شوقي علام، في هذه الجلسة تحدثت الدكتورة منى أحمد أبو زيد أستاذة الفلسفة الإسلامية بكلية الآداب جامعة حلوان المصرية، واعتبرتني أنني أكثر الرجال في هذا المؤتمر دفاعا عن المرأة حسب رأيها. وفي شهر يونيو سنة 2014م شاركت في ورشة متخصصة حول (المؤسسة الزوجية بين الشريعة والواقع)، عقدت في مدينة الإسكندرية، ونظمتها مكتبة الإسكندرية بالتعاون مع مؤسسة مدى المصرية، ومؤسسة وقف نهوض لدراسات التنمية الكويتية وترأست إحدى جلسات هذه الورشة. أردت من هذا السرد التاريخي الكشف عن أطوار تجربتي وخبرتي بموضوع المرأة، بقصد الإشارة إلى خلاصة القول الذي توصلت إليه في هذا الشأن، ويتحدد في ضرورة ربط كرامة المرأة على أساس الاقتران بين العفة والحقوق لا الفصل بينهما أو القطع. وقد وجدت أن الاتجاهات الإسلامية وبدافع الخشية ربطت كرامة المرأة بجانب العفة وأولت هذا الجانب كامل الاهتمام، لكنها تغافلت أو قصرت عن جانب الحقوق، وما يعرف بحقوق المرأة الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والسياسية والمدنية وغيرها، في حين أن الاتجاهات المغايرة وبدافع التغيير ربطت كرامة المرأة بجانب الحقوق وأولت هذا الجانب كامل الاهتمام، لكنها تغافلت عن جانب العفة. لكن الصواب هو ربط كرامة المرأة باقتران جانب العفة إلى جانب الحقوق، وليس هناك تعارض بينهما ولا تزاحم، فالعناية بجانب العفة لا يمنع ولا يقتضي على الإطلاق إهمال جانب الحقوق، كما أن العناية بجانب الحقوق لا يمنع ولا يقتضي إهمال جانب العفة، فلا تكتمل كرامة المرأة إلا بالجمع بين جانبي العفة والحقوق، وهذا هو خلاصة القول الذي توصلت إليه، وأعده بمثابة أطروحتي في موضوع المرأة، ويشكل مدخل التجديد الديني في موضوع المرأة.