أمريكا تلغي جائزة ال 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن أحمد الشرع    مدرب الإمارات : لسنا المرشحين للفوز بلقب خليجي 26    الأخضر السعودي يختتم معسكر الرياض ويغادر إلى الكويت للمشاركة في خليجي 26    ضبط 14 مخالفًا في جازان لتهريبهم (210) كجم "قات"    معرض وزارة الداخلية (واحة الأمن) .. مسيرة أمن وجودة حياة لكل الوطن    السعودية ترحب بتبني الأمم المتحدة قراراً بشأن التزامات إسرائيل الأممية تجاه الفلسطينيين    روسيا تعلن السيطرة على بلدتين جديدتين في أوكرانيا    المملكة توزع 724 سلة غذائية و724 حقيبة صحية في مدينة سرمدا بمحافظة إدلب    توقيع مذكرة تعاون بين النيابة العامة السعودية والأردنية لتعزيز مكافحة الجريمة والإرهاب    المسعودي يُوقِّع «الاتصال المؤسسي.. المفهوم والاتجاهات الحديثة» في «كتاب جدة»    "مالك الحزين" يتواجد بمحمية الملك سلمان الملكية    شيخ شمل قبائل الحسيني والنجوع يهنى القيادة الرشيدة بمناسبة افتتاح كورنيش الهيئة الملكية في بيش    صورة الملك تستوقف معتمرا بوسنيا    نائب رئيس نيجيريا يغادر جدة    الأمير محمد بن ناصر يفتتح شاطئ الهيئة الملكية بمدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية    الشؤون الإسلامية بجازان تنفذ ورشة عمل بمحافظة صبيا    ولي العهد يجري اتصالاً هاتفياً بملك المغرب للاطمئنان على صحته    مدير عام الشؤون الإسلامية في جازان يتفقد مسجد العباسة الأثري بمحافظة أبي عريش    %20 من المستثمرين شاركوا في الاكتتابات العامة بالمملكة    وزارة التعليم تنظم ورشة عمل "المواءمة مع التغيير والتحول في قطاع الخدمات المشتركة" في جازان    تاليسكا يعلق على أنباء رحيله إلى فناربخشة    إمام الحرم المكي: الرسل بعثوا دعاة إلى الخير وهداة للبشر    آل بنونة وآل قاضي يتلقون التعازي في حورية    خطيب المسجد النبوي: أعظم وسام يناله المسلم أن يكون أحبّ الناس إلى الله    البدء بأعمال صيانة جسر تقاطع طريق الأمير نايف مع شارع الملك خالد بالدمام ... غدا السبت    الدفاع المدني السوري: «تماس كهربائي» أشعل نيران «ملعب حلب»    (عيد) أفضل حارس للبطولة الخليجية الأولى والثانية    تراجع أسعار الذهب 2596.89 دولارًا للأوقية    الخطوط السعودية ووزارة الإعلام ترفعان مستوى التنسيق والتعاون المشترك    رغم المخاوف والشكوك.. «سورية الجديدة» تتحسس الخطى    كأس العالم    كأس العالم 2034.. السعودية ترسم مستقبل الرياضة والشراكات العالمية    خير جليس يودّع «عروس البحر» بتلويحة «جدّة تقرأ»    5 إستراتيجيات لإنهاء حرب روسيا وأوكرانيا    لسرعة الفصل في النزاعات الطبية.. وزير العدل يوجه بتدشين مقر دوائر دعاوى الأخطاء المهنية الصحية    رئيسا «الشورى» والبرلمان الباكستاني يبحثان تعزيز التعاون المشترك    دروس قيادية من الرجل الذي سقى الكلب    الحصبة.. فايروس الصغار والكبار    مدربون يصيبون اللاعبين    تقطير البول .. حقيقة أم وهم !    تمارا أبو خضرا: إنجاز جديد في عالم ريادة الأعمال والأزياء    رسائل    25 ألف سعودية يثرين الأسواق الناشئة    الإخلاء الطبي يشترط التأمين التعاوني للممارسين الصحيين    التأمين يكسب .. والعميل يخسر    مشاعل الشميمري: أول مهندسة في هندسة الصواريخ والمركبات الفضائية في الخليج العربي    «سكن».. خيرٌ مستدام    السعوديون في هيثرو!    النصر ومعسكر الاتحاد!    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء ينقذ مراجعاً عانى من انسداد الشرايين التاجية    أدوية إنقاص الوزن قد تساعد في القضاء على السمنة لكن مخاطرها لا تزال قائمة    انفراد العربيّة عن غيرها من لغاتٍ حيّة    السيسي: الاعتداءات تهدد وحدة وسيادة سورية    التجارة تضبط 6 أطنان مواد غذائية منتهية الصلاحية بمستودع في جدة    صحة الحديث وحدها لا تكفي!    وزير الدفاع يستقبل نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع الأسترالي    د. هلا التويجري خلال الحوار السعودي- الأوروبي: المملكة عززت حقوق الإنسان تجسيداً لرؤيتها 2030    رئيس الوزراء العراقي يغادر العُلا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عام للتسويات أم لمزيد من الأزمات؟
نشر في اليوم يوم 01 - 01 - 2016

ما يجري في العالم العربي منذ سنوات لم يعد «يسر العدو أو الحبيب»، كما يقول المثل الدارج. فبالنسبة للأصدقاء، يبدو أن العالم العربي أصبح حالة ميئوسا منها وغير قابلة للإنقاذ أو الإصلاح، وبالتالي لم يعد لديهم ما يقدمونه لهذا العالم سوى مشاعر الرثاء والشفقة. أما بالنسبة للأعداء فيبدو أن مشاعر الشماتة المختزنة تجاه هذا العالم بدأت تتوارى تدريجيا لتحل محلها مشاعر قلق وخوف من ارتدادات محتملة معكسة، في صورة موجات هجرة كبيرة، يخشى أن تؤدي إلى «تلوث ثقافي» رغم الحاجة الاقتصادية، أو في صورة إرهاب دموي لم يعد بمقدور أحد بمفرده أن ينأى بنفسه بعيدا عنه أو ينجو منه.
مؤشرات كثيرة تؤكد أن عام 2015 كان الأقسى والأشد مرارة بالنسبة للعالم العربي، خصوصا إذا ما أخذنا في الاعتبار أعداد الضحايا. ففي كل يوم من أيام هذا العام المشؤوم سقط المزيد من القتلى والجرحى في ميادين القتال أو بفعل العمليات الانتحارية، وتغلغل الجوع والمرض في مناطق محاصرة ومغلقة في وجه قوافل الإغاثة الإنسانية، وقطعت رؤوس رجال وانتهكت أعراض نساء وجرت عمليات تطهير عرقي في مناطق وقعت تحت سيطرة أو حكم جماعات إرهابية أو ميليشيات متطرفة، وفر البشر بالملايين من بيوتهم بعد أن تعرضت مدنهم أو أحياؤهم أو مناطقهم للدمار والخراب، بعضهم ظل هائما في الصحراء قبل أن يهلك جوعا أو عطشا، وبعضهم الآخر ابتلعتهم مياه المتوسط أو قذفتهم أمواجه على رمال الشواطئ الأوربية القريبة، أما المحظوظون منهم فقد وجدوا ملاذا في مناطق مرحبة أو كارهة، قريبة أو بعيدة، لكنه لم يكن دائما ملاذا آمنا ونادرا ما أتاح فرصة حقيقية لحياة كريمة أو لمستقبل واعد. ويلاحظ، رغم ذلك كله، أن هذا العام الكئيب حرص قبل أن يغادر على أن يترك وراءه شمعة لعلها تبعث ما يكفي من الضوء لإرشارد عالمنا العربي المنكوب إلى موقعه داخل النفق الطويل المظلم الذي أدخل نفسه فيه، لعله يتلمس سبيلا للخروج منه.
فقد أثمرت الجهود الرامية لإيجاد تسويات سلمية للصراعات المتفجرة في عدد من الدول العربية عن خطوات كانت حتى وقت قريب تبدو بعيدة المنال، منها:
1- صدور قرار بالإجماع من مجلس الأمن متضمنا، لأول مرة منذ اندلاع الأزمة السورية، خارطة طريق وجدول زمني لتسوية سلمية يتم التفاوض على آلياتها وتفاصيلها عبر مفاوضات مباشرة بين قوى المعارضة والحكومة السورية تحت رعاية أممية، ويفترض أن تبدأ هذه المفاوضات قبل نهاية شهر يناير الحالي.
2- التوصل في مدينة الصخيرات إلى اتفاق نهائي لتسوية الأزمة الليبية، تم التوقيع عليه من جانب غالبية المندوبين الليبيين الذين شاركوا في الحوار السياسي الذي رعته الأمم المتحدة، ومجموعة واسعة النطاق من ممثلي المجتمع الليبي وقادة البلديات ورؤساء الأحزاب السياسية، وبموجبه تم التوافق على تشكيل حكومة وحدة وطنية وعلى ترتيبات أمنية محددة، وأيده مجلس الأمن بقرار صدر بالإجماع وتعهد فيه بدعم حكومة الوفاق الوطني والترتيبات الأمنية المنصوص عليها في هذا الاتفاق.
3- بدء مفاوضات رسمية في جنيف بين أطراف الأزمة اليمنية، وتحت رعاية أممية، للاتفاق على إجراءات محددة لبناء الثقة وعلى آليات لتسوية الأزمة وفق مرجعيات سبق إقرارها وهي: المبادرة الخليجية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطنى، وقرار مجلس الأمن رقم 2216. ورغم صعوبات عديدة تعترض طريقها إلا أن كافة الأطراف تبدو حريصة على استمرار هذه المفاوضات وعلى عدم ترك الفرصة المتاحة تسقط أو تضيع.
المراقبون الأكثر ميلا للتفاؤل يحاولون إبراز الجوانب الإيجابية لما أنجز من خطوات، خاصة إزاء الأزمة السورية، لكنهم يدركون في الوقت نفسه أنها خطوات، على أهميتها، لا تزال محدودة جدا إذا ما قيست بالمسافة التي يتعين قطعها قبل أن تصبح التسويات المقترحة واقعا ملموسا على الأرض، بل إنهم لا يستطيعون الجزم بأن ما أنجز بات يشكل خرقا غير قابل للنكوص أو الانتكاس. وعلى اي حال، وبصرف النظر عن أي اعتبارات تتعلق بالتفاؤل أو التشاؤم، ففي تقديري أن ما تحقق من تقدم حتى الآن عكس قدرا من توافق دولي لم يترجم بعد إلى توافق مماثل لا على الصعيد الإقليمي ولا على الصعيد المحلي.
التوافق الذي تحقق على الصعيد الدولي يعود إلى عاملين رئيسيين:
الأول: تصاعد مخاطر الإرهاب الدولي بطريقة غير مسبوقة، خصوصا بعد استيلاء تنظيم داعش على مناطق شاسعة في كل من العراق وسوريا، وتمكن هذا التنظيم وغيره من الجماعات الإرهابية من القيام بعمليات موجعة ومتزامنة في مناطق مختلفة من العالم، ربمال كان أخطرها تلك العمليات التي اتخذت من العاصمة الفرنسية باريس مسرحا لها وأسفرت عن عشرات القتلى والجرحى، وتدفق أعداد هائلة من المهاجرين على الدول الغربية، معظمهم من السوريين. ولأنه تصعيد جاء كنتيجة مباشرة لتفاقم الأزمات المشتعلة في العالم العربي، فقد شكل حافزا إضافيا دفع بالدول الأوربية الكبرى لتكثيف الجهود الرامية للبحث عن تسويات لهذه الأزمات.
الثاني: دخول روسيا، بثقلها العسكري، كطرف مباشر في الأزمة السورية إلى جانب النظام الحاكم، وهو تطور غير مسبوق في سياسة روسيا الشرق أوسطية منذ التدخل العسكري في أفغانستان نهاية سبعينيات القرن الماضي، ودخولها من جديد، بثقلها السياسي، كطرف في صراع ممتد على النفوذ في هذه المنطقة من العالم. ولأن السياسة الأمريكية بدت في حالة تراجع وانسحاب وعازفة عن التدخل بنفس الاليات القديمة، فقد شكل التدخل الروسي المفاجئ حافزا إضافيا لها لتكثيف ابحث عن قواسم مشتركة مع روسيا لإيجاد تسويات للأزمات المتفجرة.
أما على الصعيد الإقليمي، فيلاحظ أن هذه العوامل لم يكن لها تأثير يذكر على القوى الإقليمية. فتركيا تبدو مهتمة بملاحقة حزب العمال الكردستاني، والذي تعتبره أخطر المنظمات الإرهابية، وللحيلولة دون قيام دولة كردية موحدة في المنطقة، ولإسقاط بشار الأسد، وإيران تبدو منشغلة بدعم مواقع نفوذها والحصول على مناطق نفوذ جديدة او دعم مناطق نفوذها القديمة داخل العالم العربي أكثر من انشغالها بأية قضية أخرى .
وإسرائيل تبدو مهمومة بتصفية القضية الفلسطينية وتغذية الصراعات الطائفية في عموم المنطقة أكثر من انشغالها بأية قضية أخرى. ومن الواضح أن المنافسة بين الدول الإقليمية غير العربية الثلاث، اي تركيا وإسرائيل وإيران، تبدو محتدمة فيما بينها للحصول على أكبر نصيب ممكن من تركة عالم عربي يبدو في حالة احتضار مشابهة للحالة التي كانت عليها الامبراطورية العثمانية قبيل واثناء الحرب العالمية الأولى.
الأخطر من ذلك أن النخب السياسية المتصارعة داخل الدول العربية، وليس فقط داخل الدولة التي اندلعت فيها حروب أهلية أو أزمات حادة، لا تبدو جاهزة بعد لحوار حقيقي قادر على إفراز قواعد مشتركة تسمح بإدارة الدول والمجتمعات بطريقة تمكنها من تحقيق الاستقرار وضمان التداول السلمي للسلطة في الوقت نفسه. وفي غياب أوضاع محلية قادرة على إفراز بيئة ملائمة لإنضاج تلك القواعد المشتركة، يصعب التوصل إلى تسويات للأزمات الدولية، إلا بتوافر شرطين رئيسيين:
الأول: إقدام القوى الكبرى على فرض التسويات المقترحة من خلال مجلس الأمن، ووفقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
الثاني: موافقة القوى الإقليمية على تقديم غطاء سياسي يسمح لمجلس الأمن بتأمين تدخله لفرض تسويات على الأطراف المحلية المتصارعة دون مخاطر كبيرة.
ولأن أيا من هذين الشرطين لا يبدو متاحا في الوقت الراهن، وقد لا يكون متاحا في القريب العاجل، فمن المتوقع أن يحاول المجتمع الدولي كسب الوقت والعمل على منع تفاقم الأزمات المشتعلة في المنطقة إلى أن يتم انتخاب رئيس أمريكي جديد في نهاية العام الحالي 2016. حينها ستكون المنطقة مرشحة للدخول في مفترق طرق جديد يؤدي إما إلى تكثيف الجهود الرامية لإيجاد تسويات للأزمات المتفاقمة في المنطقة، وهو الاحتمال الأرجح في حال فوز رئيس ديمقراطي معتدل، أو تبنى استراتيجة تستهدف استدراج روسيا واستنزافها في أزمات المنطقة، وهو الاحتمال الأرجح في حال فوز رئيس جمهوري متطرف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.