بعد أكثر من مائة عام على طرحه لأول مرة، لا يزال سؤال النهضة والتقدم، الأكثر إثارة للجدل والاهتمام في الساحة الفكرية والسياسة العربية.. وإذا كان يبدو واضحاً للعيان أن شطراً من العالم الإسلامي يشق اليوم طريقه بخطى معقولة على طريق النهضة والتقدم، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والاستقرار السياسي، فإن العالم العربي ظل يراوح مكانه، بل لن نبالغ إذا قلنا أن بعض المجتمعات العربية اليوم بات مكشوفاً للخارج بدرجة غير مسبوقة ولم يغادر العرب بعد عقود طويلة من الاستقلال مواقع الغلبة والاستضعاف، بل وتشهد بعضها حالة من التفكك والانزلاق نحو الانهيار المتسارع فشلاً في تحقيق ما وعدت به من أحلام على مدى عقود. وتبدو اليوم التجربة التركية الأكثر قرباً من العالم العربي، تاريخا وجغرافية، والأوفر حظاً في أن تلهم العالم العربي معالم تجربة فريدة في النهوض والتنمية، وتتراءى الأكثر واقعية والأشد قرباً من العالم العربي. إن أهمية الاجتماع الخليجي التركي تكمن في التوقيت، حيث إنه الأول بعد أحداث الربيع العربي وتغير الأنظمة في مصر وليبيا وتونس ونجاح المبادرة الخليجية في اليمن"، ولعلَّ ذلك يفسر لماذا تقود تركيا ودول الخليج التحركات ضد نظام الأسد، فالأتراك يخشون من اندلاع الفوضى في سوريا، ليس فقط لوجود حدود طويلة تربط الطرفين، لكن أيضًا لأن التجمع الأكبر للطائفة العلويَّة، الممسكة بزمام الحكم في دمشق، يتواجد في تركيا، وإذا ما اندلعت حرب طائفيَّة بين السنَّة والعلويين في سوريا، فإن نيرانها ستمتدّ - لا محالة - إلى الجانب الآخر من الحدود، وهو آخر ما تحتاج إليه تركيا، التي ما زالت تكافح دون جدوى تمردًا مسلحًا لحزب العمال الكردستاني. ولذا فإن مصلحة تركيا تتمثل أولا في الضغط العنيف على نظام الأسد لإجراء إصلاحات جذريَّة تستوعب الاحتجاجات، وهو ما سعت إليه أنقرة في بداية الأزمة، وفشلت فيه، الأمر الذي دفعها للانتقال لخطة بديلة، تتمثل في احتضان المعارضة السوريَّة، بشقيها العسكري والسياسي، بحيث تمسك بالطرف الآخر من الخيط، بما يمكنها من لعب دور مركزي في صياغة أي مخرج للأزمة، سواء سلمًا أو حربًا، وبالتالي تحول دون انتقال "عصا القيادة" إلى الولاياتالمتحدة أو فرنسا أو حتى قطر، كما حدث في أزمة ليبيا، كما أن ذلك يمنحها القدرة على الدفع نحو "التسوية" عندما تلوح أي "نافذة ممكنة" للحل، وأخيرًا فإن تدخل تركيا القوي يعزِّز من وضعها الإقليمي والدولي، خاصة أن الأزمة السوريَّة، تعد "بؤرة حسَّاسة" لمختلف القوى الكبرى العالميَّة، لذلك فان الواقع اليوم ينبئ عن دور ريادي سوف تكون محوره تركيا وأطرافه الدول التي تريد بناء علاقات إقليمية ذات طبيعة سلمية قائمة على تبادل المصالح، حيث كسبت تركيا عمقا استراتيجيا في المنطقة العربية والإقليمية وأصبحت الآن على أتم الاستعداد للتحول إلى قوة إقليمية تتمحور حولها السياسة وتدور في فلكها المصالح الخاصة بالدول الكبرى لتجعل منها شريكا أساسيا في عملية التحول الايجابي نحو بناء علاقات مع الدول الإقليمية من خلال تركيا. المؤكد أن التقارب الخليجي التركي يعكس توافقا في المصالح ويشكل محورا محتملا بمواجهة سياسات إيران في سوريا والعراق في ظل تطورات الأوضاع في البلدين، وهو يأخذ ثلاثة أبعاد، جزء له علاقة بسوريا والعراق والتعامل مع إيران وهذا مهم جدا، وجزء له علاقة بالبعد الدولي فيما يتعلق بموقف روسيا من سوريا، وجزء يخص الطرفين كاتفاقية التجارة الحرة"، فقد استيقظت أنقرة فجأة ووجدت أن لها مصالح اقتصادية كبيرة مع الدول العربية والخليجية تحديدا". لكن تبقى سوريا الموضوع الأهم بالنسبة لدول الخليج وتركيا لان أي عمل دولي له علاقة بضمان مسارات أو مناطق آمنة فلا بد من تركيا، حتى في مرحلة ما بعد بشار الأسد، لأنقرة دور مهم بحكم الجوار والتداخل والاقتصاد".