الضبع حيوان معروف (بالمباغتة)، فهو يفاجئ فريسته دائما. والأصل في العلاقة الزوجية أن تبنى على الصراحة والوضوح والثقة؛ حتى يعيش الزوجان بأمان واستقرار. ومع كثرة انتشار الهواتف النقالة وانتشار الشبكات الاجتماعية؛ صارت أكثر البيوت تعيش على سياسة (الضبع). أعرف امرأة حاولت تأخذ أصبع زوجها وهو نائم؛ لتضع بصمته على هاتفه النقال؛ حتى تفتحه وتراقب رسائله، فلما اكتشف الأمر وضع بعد ذلك بصمة أصابع قدمه. وأعرف رجلا يخرج من عمله وقت الضحى؛ من أجل أن يفاجئ زوجته في بيتها؛ ليعرف ماذا تفعل. وزوجة تضع جهاز التنصت في سيارة زوجها. وزوجا يضع كاميرات خفية في بيته؛ ليراقب زوجته. قصص كثيرة نعيشها كل يوم ونسمعها من خلال إدارة الحياة الزوجية على سياسة (الضبع) في المباغتة. ومنذ يومين دخلت عليّ امرأة تقول لي إنها من كثرة مراقبة زوجها تركت المراقبة والمباغتة؛ لأن نفسيتها تعبت ومزاجها تعكر وصارت عصبية على أبنائها. ورجل آخر كذلك صار غير منجز في عمله وحياته؛ بسبب كثرة تجسسه على زوجته والهجوم عليها في وقت لا تتوقعه. فإن كانت سياسة (الضبع) في المباغتة تنفع معه حتى يصطاد فريسة ليأكلها، إلا أننا باستخدام هذه السياسة نتعب أنفسنا أكثر، ولهذا كان من وصايا الجدات قديما عندما تتزوج الفتاة يقولن لها: «يا بنية إذا خرج زوجك من البيت فهو ليس بزوجك»، ويقصدون ألا تلاحق زوجها وهو خارج بيته؛ لأنها ستتعب ويكون ذلك سببا في دمار بيتها وقد حفظوا البيوت بهذه الحكمة. ومن يتأمل سيرة الصحابة والصالحين فقد كانوا يراعون خصوصية الزوجات، فقد أورد ابن كثير عن زينب زوجة عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- قالت: «كَانَ عَبْدُاللهِ إِذَا جَاءَ مِنْ حَاجَةٍ فَانْتَهَى إِلَى الْبَابِ تَنَحْنَحَ». فكان ابن مسعود إذا وصل لباب بيته يتنحنح؛ كي يخبر زوجته بقرب وصوله فلا يفاجئها إذا دخل، وتبين لنا زينب سبب تنبيهها وهو: «يَتَنَحْنَحُ كَرَاهَةَ أَنْ يَهْجُمَ مِنَّا عَلَى أَمْرٍ يَكْرَهُهُ»، وذلك حتى يحافظ على خصوصيتها ويعطيها حريتها، فانظر إلى هذه الأخلاق الراقية، وإلى هذا الأدب العالي، والبعيد عن سياسة (الضبع) في التعامل مع الزوجة، فهو يتعامل مع زوجته على أساس الثقة والوضوح والصراحة، فيتحقق الأمن والأمان في العلاقة الزوجية، ولذلك كان من توجيهات نبينا -صلى الله عليه وسلم- لحفظ البيوت أنه: «نَهَى أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلاً يَتَخَوَّنُهُمْ وَيَطْلُبُ عَثَرَاتِهِمْ»، فهذا توجيه نبوي لحفظ البيوت من الهجوم المباغت على الزوجة. وأذكر أن رجلا كان يبرر لفعله باتباع سياسة (الضبع) بمباغتة زوجته دائما بدافع الغيرة، فقلت له معلقا: إن ما ذكرته عذر أقبح من ذنب، فالغيرة لا تبرر لك الفعل الخاطئ. وزوجة أخرى أعرفها من كثرة مباغتة زوجها صارت تعاني من مرض الوسواس القهري ثم صارت تتخيل أشياء لم يفعلها زوجها. فهذه أولى صفات (الضبع)، والصفة الثانية فيه أنه حيوان ليلي، يعنى يخرج بعد المغرب للافتراس ولا يخرج بالنهار، فإذا وجد جيفة حملها لصغاره أو أكلها ولهذا يسمى (الضبع) منظف للبيئة، وكذلك (الضبع) مولع بنبش القبور لأكل ما فيها، والعرب تضرب به المثل في فساده وإذا وقع في الغنم عاث فيها فسادا، أما لو اجتمع الضبع والذئب على الغنم سلمت؛ لأن كل واحد منهما يمنع الآخر من الاعتداء على الغنم، ولهذا العرب كانت تقول في دعائها (اللهم ضبعا وذئبا) يعنى على الغنم حتى تسلم. (فلا تكن كالضبع في زواجك) أي مباغتا وليليا ومؤذيا ومفسدا، لأن الأصل في العلاقة الزوجية أن تبنى على الثقة والصراحة والأمان والاحترام والتعاون، فهذا هو أساس العلاقة الزوجية، وإلا تحولت إلى جحيم وعذاب، ولعل الإيجابية الوحيدة التي يتميز بها الضبع هي أنه صياد ماهر، فنوصيك بألا يكون زواجك (كالضبع) فتكن مباغتا ومؤذيا وليس لديك إلا حسنة واحدة.