للتعليم الحديث مناهجه وطرقه، ويعلم المختصون أن الحفظ والتسميع باتا من المنهجيات المُقصاة في السياسات التعليمية للدول التي تحرص على تعزيز مكانة العلم وحريّة المعرفة؛ طمعاً في تسيّد المشهد العصري ومتطلباته المتجددة. ومع توفر التقنية القادرة على حفظ بلايين البيانات المدونة على الورق، ونقلها للعالم الرقمي في شريحة أصغر من عقلة الأصبع، أصبحت مهمة الإنسان أسهل كثيرا، وخف عن كاهل الدارسين مهمة الحفظ، ووفروا جهداً ووقتاً ثمينا لا تكون العودة فيه إلى الأصول إلا للتثبّت والاستدلال عند اللزوم. بهذا، إنحاز العلم للعقل وتكريسه للمزيد من المعرفة والتساؤل والبحث والتجديد، بدلاً من الانكفاء على المبيّت والخوف من مصير مألوف، يقتضي غياب المعلومة في تجاويف ذاكرة مغدورة! في ضوء كل هذا التطوير، لا يزال تعليمنا قائما على تقنيتين، نستحق عنهما جائزة الرسوخ والولاء لعصر اكتشاف النار! إنهما «تقنية التعبئة»، و«تقنية التسميع». فالتعبئة تهدف إلى ملء ذاكرة الطالب (ومن هنا جاءت كلمة مذاكرة بالمناسبة) بحشو إنشائي لا طائل ولا رجوى من أغلبه. يلي هذه المرحلة من التعبئة تفعيل مرجئ لتقنية التسميع، التي تلعب في هذه الحالة مهمة «التنفيس» التي ينتظرها الدارس ليتخلّص مما تزاحم في ذاكرته وكاد يتسبب في اتلافها، وقد يأتي التنفيس متأخراً في أحيان كثيرة، الأمر الذي يترك الدارس حيّاً ومتعايشاً باعتلال دائم يعرف ب «التنسيم»! وهذا يتعارض جملة وتفصيلا مع الفلسفات التربوية الحديثة، التي تنادي بأن يقوم التعليم على الحوار، التحليل والتجريب المستند أساساً إلى الشغف المحفّز على السعي لمعرفة المزيد. والذي يظن أن توزيع «آيباد» على كل طالب سعودي هو النقلة النوعية المنتظرة لتطوير التعليم، مخطئ بكل أسف! وما هذه الخطوة إلا صفقة تدبرها مدير تسويق ناجح، ونتيجتها هي توفير آيباد للتسميع باللمس! طالب العلم ليس أرشيفاً أو مستودع تخزين! وكيف نفترض هذا أساساً إن كان العلم منتقلا ومتجددا باستمرار؟ وما موقف وزارة التعليم من أحدث المنهجيات القائلة بأن الطالب يتعلم من زميله الطالب عبر تأسيس مجموعات حوار ونقاش وعمل مشترك؟ وفي ضوء كل هذا، يبدو أن أغلب ما ينفق على تطوير التعليم لن يتعدى تغيير أشكال وألوان أغلفة المقررات الدراسية، مع الاحتفاظ ب «السواد» الأعظم من رسوخ انتفاخ المحتوى الداخلي. ختاماً.. لدي 3 أسئلة مشروعة، وأولها: ما الذي تحقق من أهداف مشروع تطوير التعليم العام في المملكة (كانت مدته خمس سنوات وقيمته 80 مليارا)؟ ثانياً: ما الذي تم بخصوص قرار إيفاد المعلمين إلى دول متقدمة للتدريب؟ ثالثاً: ما هي ظروف بيئتنا التعليمية ومناهجها ومقرراتها الدراسية التي يفترض أن تستفيد من كل هذا؟