انتهى مؤتمر الرياض لفصائل الثوار والمعارضة السورية بعد تحديات صعبة، وأُصدر إعلان توافقي لأساسيات مهمة في مضامينه الفكرية ومستقبل ثورة سوريا، وخاصة الحكم المدني الانتقالي هي في تقديري التي ستستمر ويُمكن البناء عليها من خلال علاقة التيارات الإسلامية والمدنية بهوية الثورة، وصناعة الدولة القادمة والتي اكتنفها جدل واسع، لم يكن له واقع سياسي فعلي ولكنه استخدم لتبرير التخويف من الثورة في الأوساط الغربية والأمريكية ولا يزال، وهو ما ساعد المحور الروسي الإيراني على الاستفادة من تشكيك الغرب في توجهات الثورة، وأثبت مؤتمر الرياض خلافه وأن فرقاء الفكر في سوريا حين تقف التدخلات لن يجدوا عائقا للتراضي على الوثيقة الدستورية، بما فيهم حركة أحرار الشام، التي أبقت انسحابها في دائرة محدودة ممكن أن تسمح لها بالعودة الى الإعلان التوافقي للمعارضة. وفي حين انسحبت مبكراً، هيئة التنسيق وحركة صالح مسلم الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا، وكلاهما له جسور قوية مع النظام ومع موسكو، وكانت موسكو تحتج دائما بإقصاء المعارضة التي يعترف بها النظام، رغم أن فريق صالح مسلم ميدانيا كان في اندماج عسكري مع نظام الأسد ومع الدعم الإيراني الكبير، والذي وعده بتحويل معركته لصالح كردستان سورية منفصلة، تتحول كظهير لجناح حزب العمال الكردي التركي الرافض للمصالحة الوطنية في تركيا. وهذه أحد أهم مخاوف انقرا في الملف السوري من صفقة المحور الروسي والإيراني والدعم الغربي للمجموعتين، لتحقيق معادلة مختلفة تماما عن أمن الشرق، وهزيمة جيوسياسية لداعش لا تُدمره، ولكن تدحرجه على أرضٍ أُخرى ومنافس إقليمي للصفقة، وبالتالي تحويل سوريا لواقع عراقي جديد، بل أسوأ. هذه المخاوف هي بالضبط ما يُهدد وضع المشرق العربي وخليجه وما نقصده تحديداً أن الغرب وحلف موسكو/ طهران، يسعون لاستخدام جزئي للعالم السني ليخدم مهمة هذه الدحرجة، وليس معالجة الجذور ولا القضاء على معركة الإرهاب الداعشي، أو الطائفي الإيراني الذي خلقته حروب الغرب، وساعدته عناصر فكرية وسياسية أخرى في الواقع العربي. وهذا هو ما يُعيدنا لقصة انسحاب الجماعات المؤيدة لموسكو، والتي تخضع لهذا التصور، وهذا لا يشمل بالضرورة كل أعضاء هيئة التنسيق، ولكن قرارها المركزي اليوم بيد هذه الترويكة بين موسكو والنظام، وخاصة مع تكلفة الحرب الشرسة على الشعب السوري، وكثرة الطعنات في خاصرته وضعف الدعم الحاسم، وأمور عديدة جعلت الشعب منهكاً تحت مقابر جماعية لا تنتهي، والنفاق الدولي لا يعترف بضحاياه، فيَضيق الطريق مجددا على الناس ويلتمسون أي مخرج، وهو ما تُراهن عليه موسكو في مذابحها الأخيرة. ولذلك أعقب الانسحاب تصريح موسكو الرافض لمؤتمر الرياض، رغم أنه جاء ضمن مدارسة إمكانية التفاوض لمرحلة انتقالية، بحل سياسي، تدعو له موسكو، لكنه حل يولد ميّتا بسبب أن الأسد وكامل نظامه الخاص، الذي هو اشبه بالتنظيم الطائفي، تصر موسكووإيران ان يبدأ الحل بيديه لا تنحيته. ولذلك فالمهم أن تنطلق مخرجات مؤتمر الرياض في الطريق الآخر، غير المحكوم بفشله لأن تفريغ مؤتمر الرياض لم تنتظر فيه موسكو طويلا، وأعطت رؤيتها، وعليه يتضح ماذا ستتفاوض المعارضة اذن عليه؟ ولكن ذلك لا يُلغي أهمية البناء على الثابت المستمر وهو توحيد رؤية المعارضة، والعمل على تنسيق جهودهم، عبر مفوضية الرياض، بمعنى أن تكون مقراً للمشروع السياسي للثورة، وفق ممثليها الحقيقيين البعيدين عن نظام الأسد وبازار إيران وعن الغلاة المتطرفين من داعش والنصرة، ويتم التنسيق مع الدول المشتركة في الموقف. لأن رهن هذا النجاح، الى مؤتمر فيّينا أو مفاوضات نيويورك، أو جنيف التي حُددت معالم رعاتها وتفكيرها، يؤثر سلبا على كل هذه التوافقات والجسور التي أُنجزت في المؤتمر، حين يعلن فشل فينا 2 وجنيف 3 كما فشلت سابقاتها. وهو ما يعني تحقق ما نقلته وفود المؤتمر عن القيادات العليا للدولة، بأن (سوريا ستتحول الى مقاطعة إيرانية ولن نسمح بذلك وسندعم الشعب وثورته)، وسبب ذلك غياب أي بديل ميداني مواز، في حين تسعى القوات الروسية والإيرانية الأرضية، للتقدم نحو هذا الحسم الذي سيحولها لمقاطعة للمحور بالفعل. إن تغيير الاتجاه لدعم الثورة في صناعة المشروع البديل، لا يلزمه صوت اعلامي مرتفع، بقدر ما يحتاج الى قناعة قوية للبناء على هذه الرؤية، ودعم الثورة على الأرض وتحويل توافقات الرياض، إلى طاولة مفاوضات تتوصل بسرعة الى قيادة انتقالية قوية في ميدان الثورة، مع تحقيق الدعم العسكري الخاص النوعي، وسحب الحدود السورية مع تركيا من يد داعش، ووضعها كمناطق آمنة للسوريين، تحت إدارة القيادة الانتقالية للثوار. والغرب الذي لا يخضع إلا لمعطيات مصالحه، ومخاوفه من توسع التقدم الروسي في المياه الدافئة، وأثر الإرهاب الذي وصل أرضه، منذ كارثة احتلال العراق، سيكون أمامه فرصة للتعامل مع هذا المشروع الذي تقود دعمه المملكة، سواءً خضع الأسد وداعموه لمعادلة سياسية، ينسحب بها من الحكم، أو واصلت الثورة بعد تنظيم صفوفها، وقيادتها، لتكون مهيأة للحسم السياسي وليس العسكري وحسب، والذي تستقر به كل سوريا، هذا هو الطريق الوحيد لدمشق الذي يمنع من سقوطها تحت الاحتلال الإيراني ومحوره الجديد والإرهاب المتعدد، والذي قطعاً سيضرب بعده سواحل الخليج.