في أمسية النصر الجميلة مع الاتحاد -في نظر محبيه- حضر نصرهم الذي يعشقونه، ولا يرونه إلا بطلاً, مهما ابتعد عن مسار البطولات وغاب. لم تكن تلك الليلة غريبةً على الكتيبة الصفراء؛ لأنهم مَن أسسوا قواعد المتعة لهذه المستديرة على أرض هذا الوطن. فقد كنت أنظر إلى انفعالات مشجعٍ تحمس منذ أن أعلن الحكم صافرة البداية، وكان الخوف والتوتر يعتريان محيّاه؛ خشية أن يخذله نصره اليوم، كما خذله في مبارياتٍ سابقةٍ من هذا الموسم، تعجبت كثيراً لحاله، وفي نفس الوقت كنت أقول: إن المحبّ لا يلام إن أسرف في حبّه. مضت الدقائق والنصر يتفوق في كل شيءٍ على منافسه الاتحاد، إلا أنه لم يسجل، وازدادت نبضات قلب هذا العاشق، يرفع يديه إلى السماء، ويردد يا ربّ عجّل بنصر النصر، إلى أن أطلق عبدالعزيز الجبرين كرة الهدف التي هي كرة الأمل بالنسبة له ولكل عاشقٍ مثله لهذا الكيان الكبير، أخذ يجوب المكان يردد (قووول- قووول)، وأنا مازلت أتفحص في ردة فعله، لم يطل الأمر كثيراً حتى حضر الفريدي وسجّل الهدف الثاني من أول لمسة، فقام صاحبنا هذا يصرخ مردداً: هذا النصر أم برشلونة...؟ أيقنت حينها أن الرجل أصيب بنوبةٍ من الهستيريا! وطلب منّي أن أكتب له تغريدةً مفادها يتلخص في سؤال: هل هذا النصر أم برشلونة؟ وقد كتبت ما طلب تعاطفاً معه ومع فرحه. ما أرمي له من كتابة هذا الموقف هو أن هناك الكثير مثل هذا المشجع، يحترقون من أجل أنديتهم، من الواجب على أي إنسانٍ يرى في نفسه القدرة على أن يخوض تجربة الرئاسة في الأندية أن يتأنّى قليلاً، ولا يُقدم على هذه الخطوة إلا وهو متيقنٌ أنه يستطيع فعل كل ما يسعد تلك الجماهير، ففي مدرجاتنا أناسٌ وصلوا إلى أعلى درجات الهوس، وصدق مَن قال: الحبّ جنونٌ، هو فعلاً جنونٌ قبل أن يكون فنوناً، ومن الحبّ ما قتل، ومَن لاحظ شاشة التلفاز بعد أن سجّل النصر الهدف الرابع (الملغي) سيشاهد مشجعاً اتحادياً ترقرقت عيناه بالدمع، لا هو ذرفها، ولا هو استطاع أن يخفيها، لتبقى أسيرة تلك العيون، وهو يردد في داخله من هول الصدمة ماذا يحدث يا عميد؟ اليوم أصبحت الكرة بالنسبة لعشاقها شيئاً أساسياً، ومن المفترض احترام قدراتهم العاطفية مهما بلغت؛ لذا فإن التفكير السليم في أن يتعلم كل رئيس نادٍ من أخطائه، ويسعى جاهداً لأن يرسم الابتسامة على وجه كل مشجعٍ، لكن كيف يحدث ذلك؟ يحدث ذلك بالتخلص من (الأنا)، وتكون أهدافه الرئيسة بعيدةً عن فكرة صناعة مجدٍ خاصٍّ، فمَن يفشل يترجل ويبتعد، حتى لا يكون مصدر ألمٍ وحزنٍ لغيره. ما يؤكد هذا الحديث ردود الفعل التي حدثت بعد مباراة النصر والاتحاد على الجانبين، ففي الجانب النصراوي كان الفرح هستيرياً، فرحٌ امتزج بالقهر مما مضى من مباريات، وبالخوف مما قد يحدث في المستقبل..! وفي الجانب الاتحادي جمهورٌ حزينٌ لم يكن يعتقد أن المباراة ستخرج بهذا الشكل، وأن الاتحاد سيخسر بهذه الطريقة وفي وقتٍ بسيطٍ لا يتجاوز 15 دقيقةً. بعد هذه المباراة النصر قادرٌ على العودة للمنافسة من جديد هذا الموسم، بشرط أن ينهي ما تبقى من الدور الأول بنتائج إيجابية، أمام الشباب والهلال، عندها يحقّ لكل نصراويٍّ أن يبالغ في فرحه حتى وإن تجاوز حدود العقل والمنطق ووصف النصر ببرشلونة.. ففي الفرح يحقّ لك أن تمارس طقوس فرحك كيفما شئت.. ودمتم بخير،،،