يوم الخميس الماضي قدّم البنك المركزي الأوروبي، بأغلبية كبيرة، خطوة جديدة إلى أجندة التحفيز الخاصة به. من الآن فصاعداً، سيتم استخدام دفعات السداد الرئيسية على السندات الحكومية، التي تم شراؤها بموجب برنامج التسهيل الكمي، من أجل شراء المزيد من السندات. من الصعب المبالغة في أهمية هذا البند الخاص بإعادة الاستثمار، الذي وصفه عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، إيف ميرش، بأنه العنصر "الأكثر أهمية" في إعلان يوم الخميس. بذل رئيس البنك المركزي الأوروبي، ماريو دراجي، قصارى جهده للحصول على أفضل ما في الوضع. حيث صوّر الخطوة على أنها امتداد للجدول الزمني لبرنامج التسهيل الكمي، الأمر الذي هو كذلك. لكنه نفى أنه من خلال القيام بهذا الأمر أن البنك المركزي الأوروبي كان يُبارك نوعا من "التمويل النقدي"، الأمر الذي يفعله أيضاً. تلك الممارسة، الممنوعة بموجب قواعد معاهدة الاتحاد الأوروبي، تُشير إلى تمويل الإنفاق الحكومي بشكل مباشر من خلال خلق الأموال. باعتباره نتاج التعليم اليسوعي، اختار دراجي كلماته بعناية عندما قال: "يُمكنني استبعاد أي تمويل نقدي تماماً". الحصول على سندات حكومية بقيمة تزيد على تريليون يورو - و360 مليار يورو بعد التدابير الجديدة - لا يُعتبر بالمعنى الحرفي تمويلاً مباشراً، الأمر الذي يحدث عندما يتم تمويل الإنفاق الحكومي "من خلال زيادة في القاعدة النقدية". وفقاً للبنك المركزي الأوروبي، التمويل النقدي لا يحدث هنا لأن السندات السيادية، التي يتم شراؤها حالياً بكميات كبيرة من قِبل البنوك المركزية الوطنية، لا يتم شراؤها في السوق الرئيسية بل في الأسواق الثانوية. لكن النتيجة هي نفسها: الأمر هو نفسه كما لو أنه يتم وضع ما يُقارب 1.5 تريليون يورو من السندات الوطنية والإقليمية والمحلية الأوروبية في الميزانية العمومية للبنك المركزي لفترة غير محدودة وسحبها من السوق. الحجة بأن هذا لا يُشكّل تمويلا نقديا تتجاهل الطبيعة المُتبادلة للسندات الحكومية في سوق الأوراق المالية. إذا حصل أي بنك مركزي وطني على ربع السندات الوطنية لبلده، فإن المشاركين المؤسسيين في السوق، الذين غالباً ما يُطلب منهم الاحتفاظ بمثل هذه السندات، سوف يتدافعون لشراء إصدارات السندات الجديدة في البلاد، الأمر الذي ضمنياً يموّل ليس فقط العجز المالي لهذا العام، لكن أكثر من ذلك بكثير. علاوة على ذلك، إذا صرّح أي بنك مركزي وطني أنه سيعمل على إبقاء هذه الأموال مُستثمرة في السندات الحكومية في المستقبل، كما فعل البنك المركزي الأوروبي في إطار سياسته الجديدة، "إعادة الاستثمار الرئيسية"، فإن السندات التي تم شراؤها يتم تسييلها من الناحية العملية في المستقبل المنظور، وهذا بالضبط هو التمويل النقدي. بشكل حاسم، هذا لا يحدث على المستوى الأوروبي، وهو ما يؤكّد عدم وجود مشاركة المخاطر والثقة بين المشاركين في نظام اليورو، فيما يبدو على نحو متزايد على أنه شبكة من مجالس العملات. البنوك المركزية الوطنية هي التي ستتحمّل معظم مخاطر الائتمان والحفاظ على الأرباح للحكومات الوطنية. في حال انهيار اليورو - وهو احتمال قد يبدو بعيد المنال في الوقت الحالي، لكنه كان بالضبط الخوف الذي دفع دراجي للقيام بتعهّده الشهير الآن "القيام بكل ما يلزم" - فإن البنك المركزي الألماني لن تكون لديه كميات كبيرة من، مثلاً، السندات الإيطالية في دفاتر حساباته. بنك إيطاليا سوف يتحمّل أي خسارة من العجز عن سداد الديون السيادية أو إعادة هيكلة السندات الوطنية التي يحتفظ بها. من غير الواضح بالضبط مقدار المبالغ التي يقتنيها كل بنك مركزي وطني بالأصل من السندات الحكومية الخاصة به. وردّاً على سؤال من أحد الصحفيين حول تقارير في الصحافة الألمانية تُشير إلى أن البنك المركزي الفرنسي والإيطالي حصلا على كميات هائلة من السندات، أكّد رئيس البنك المركزي الأوروبي أن البنوك المركزية الوطنية تقرّر سياسات الاستثمار الخاصة بها "باستقلالية تامة" وينبغي التواصل معها بشكل مباشر لمزيد من التفاصيل. عمليا انسحاب السندات هو ضد روح مهمة البنك المركزي الأوروبي وإن لم يكن ضدها في النص. كما أنها أيضاً بمثابة اعتراف بأن البنك المركزي الأوروبي لم يعُد يملك استراتيجية خروج واضحة من برنامج التسهيل الكمي، لأن الأموال القائمة ستبقى الآن في النظام لمدة أطول بكثير من فترة برنامج التحفيز. هذا، في الواقع، هو الهدف. المشكلة هي أن التمويل النقدي من هذا النوع ربما يعمل ببساطة على تأجيل الإصلاحات الهيكلية الملحة وتقديم الدعم لبرامج الاستثمار التي تشتري أصوات الناخبين لكنها تؤذي النمو الاقتصادي. هذه المخاطر والتداعيات بالضبط هي التي تحدث عنها يينس فايدمان، رئيس البنك المركزي الألماني وعضو مجلس البنك المركزي الأوروبي، الذي عارض قرار الخميس. بل إن هناك آخرين في ألمانيا وصفوا المركزي الأوروبي بلا مواربة على أنه "آلة للإنقاذ."