أطلقت وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع المدارس هذه الأيام حملة لتعزيز دور الأسرة والمدرسة في نبذ العنف ومكافحته والحد منه ومن أثره السلبي والخطير على الطلاب لتفادي التبعات والتراكمات التي تؤدي إلى تدمير البنية النفسية للطفل التي تؤثر سلباً على مستقبله بأكمله علمياً وعملياً. للعنف أنواع كثيرة وممارسات متنوعة لعل أوضحها العنف الجسدي أو المادي الذي يمارس ضد بعض الأطفال في منازلهم من قبل أسرهم أو من بعض المعلمين في المدارس. ففي زمن مضى كانت الصورة النمطية لمدير المدرسة صورة ذلك الشخص العنيف ذي الصوت المرتفع والملامح الحادة الذي غالباً ما يحمل تحت إبطه عصا من الخيزران أو مسطرة من فئة المائة سنتمتر أو خرطوما مطاطيا أو بلاستيكيا الذي يستخدم أسلاك الكهرباء، ويستخدم المدير أو الوكيل أو المعلم تلك الأسلحة البيضاء متى ما دعت الحاجة لذلك في نظره، وأكاد أجزم بأن جميع طلاب المدارس في الأجيال السابقة ذاقوا لسعة الخيزرانة وطالهم إرهاب المعلمين الجسدي والنفسي أو على الأقل شاهدوا جميعهم مراسم الجلد في طابور الصباح ضد الطلاب "المذنبين"! العنف الأسري أو المدرسي عقاب يقوم به ولي الأمر أو المعلم لردع الطفل أو الطالب عن القيام بخطأ معين، والمفترض أن هذا العقاب يصب في مصلحة الطفل الحالية والمستقبلية سواء كان العقاب جسدياً أم لفظياً. أي أن العقاب وسيلة وليس غاية في حد ذاته، لكن المشكلة هي أن أغلب حوادث العنف الأسري والمدرسي يتحول فيها العقاب إلى غاية وتشف، ويتضح هذا من حوادث العنف والضرب المبرح الذي يترك آثارا على الجسد مدى الحياة. فليس من المعقول أن يقوم الأب أو المعلم بضرب الطفل ضرباً مبرحاً أشبه بالانتقام من مجرم وهو يحبه ويخاف على مصلحته في آن واحد. بالرجوع إلى تاريخ وسيرة حياة المجرمين المشهورين حول العالم نرى أنهم عاشوا حياة عنف أسري ومجتمعي وتربوا وسط بيئة عنيفة لا تعرف الحوار، وذلك قادهم مستقبلاً إلى ممارسة العنف على الآخرين كنوع من التشفي والانتقام لنفوسهم التي ذاقت مرارة الذل والهوان والقهر، وأصبحوا سافحين يمارسون القتل والتنكيل دون أن يرف لهم جفن، وكثير من الحكام الديكتاتوريين المعروفين بالإجرام ضد شعوبهم كانوا ممن عاشوا طفولتهم في بيئات العنف. العنف الفكري أيضاً لا يقل خطراً عن العنف الجسدي الذي من الممكن أيضاً أن يكون القاعدة التي ينطلق منها العنف الجسدي نفسه، فالإرهابيون الذين يفجرون أنفسهم وسط الأبرياء المسالمين، أو الإرهابيون الذين يختطفون الضحايا ويغتصبون النساء ويذبحون الرجال من أعناقهم ويعلقون رؤوسهم في الحدائق العامة، هؤلاء لم يصبحوا هكذا فجأة، لكن أغلبهم مرّ بمراحل من العنف أدت لوصولهم إلى ما وصلوا إليه من تجرد من الإنسانية. لذا كثيراً ما يحذر المختصون من خطورة الأفكار الهدامة والمتطرفة التي تنشأ كفكرة نظرية، ومن ثم تتحول إلى إيمان واعتقاد مقدس غير قابل للنقاش، وبعد هذا تدخل في مراحل التطبيق التي تؤدي إلى القتل والذبح. لذا فإن محاربة العنف التي تنطلق في المدارس يجب ألا تقتصر على الإيذاء اللفظي والجسدي فقط، بل يجب أن تشمل محاربة العنف الفكري أيضاً، وبث روح الحوار والتسامح والتعايش بين الطلاب منذ نعومة أظافرهم لتتلافى الأجيال القادمة التبعات القاتلة التي يولدها العنف بكافة أنواعه.