أصبحت قضية الحوار مع الأبناء من أوجب الواجبات المفروضة على الآباء والأمهات في هذا العصر أكثر من أي عصر مضى. في الماضي كان للآباء قوة حسية مؤثرة تؤثر في الأبناء، ولكن في هذا العصر، تأثرت هذه القوة بسبب الانفتاح الإعلامي والثقافي والفكري، فالتربية والتوجيه اليوم ليسا كما كانا في السابق يعتمدان على البيت والمدرسة والمسجد، التربية اليوم تغيرت وغيرت الأفكار والتوجهات. التربية اليوم سيطرت عليها الفضائيات، والشبكة العنكبوتية، وأجهزة الجوال، وغيرها من التقنيات الحديثة التي فتحت للأبناء السبيل نحو عالم آخر مَهَد للتعبير عن المشاعر والتحاور مع الآخر "المجهول" من هو هذا الآخر وماذا يريد؟!. عوالم بعيدة تنقلها هذه الوسائل تختلف عنا في كل شيء أهمها القيم والمبادئ والأفكار والتصورات. أتمنى أن يتفهم الآباء عصر أبنائهم بكل ميزاته ومعطياته وأن يناقشوا الأمور بفكر وعقل منفتح، ويسعوا للإمساك بخيوطِ التفاهم المشترك.. للأسف كثيرون لا يعرفون شيئاً عن الشبكة العنكبوتية ووسائل الاتصال المسيطرة على أفكار أبنائهم. الحذر ثم الحذر قبل أن يجرف التيار أبناءنا، أو لنقل قبل أن يجرف البقية الباقية منهم وهذا هو الواقع الذي نعيشه في هذا الزمن فلا يجب أن نتساهل. اختلاف أفكار الأبناء عن أفكار آبائهم مشكلة تتطلب إيجاد نقطة تلاقٍ ولن نجدها إلاّ بتفعيل ثقافة الحوار الإيجابي المدعّم بالتفاهم وتقريب وجهات النظر والنزول لمستواهم واحترام آرائهم مهما كانت مختلفة. الاختلاف في الرأي نتيجة طبيعية لاختلاف وتباين العقول وتمايز مستويات التفكير ولا يعني احتقار الرأي الآخر ولا "إن لم تكن معي فأنت ضدي" خاصة في حوارنا مع أبنائنا، يجب أن نكون إيجابيين. هناك أزمة كبيرة في بعض البيوت تسمى أزمة، فقدان لغة الحوار، لا يكاد يكون هناك أي حوار بين أفراد الأسرة، فقط أوامر ونواه وانتقادات من قبل الوالدين، وغضب وصوت مرتفع ولا أحد يستمع للآخر، استغرب ممن يقول بكل ثقة: أولادي أعز ما عندي وكلامه اللطيف لغيرهم. لهذا السبب أكثر الأبناء يشعرون بصعوبة الاقتراب من آبائهم يجب أن نجلس معهم ونستمع لهم فالسماع أسهل وسيلة لامتلاك قلوبهم وكلما أعطيناهم مساحة من وقتنا زاد قربهم منا. الأبناء بحاجة لعلاقة حميمة لا علاقة رأسية كعلاقة رئيس بمرؤوسيه، بحاجة لحوار أفقي حوار أصدقاء لا حوار تحقيق ضابط شرطة لمتهمين. الحوار يتطلب من الوالدين التهيئة النفسية وضبط النفس والتواضع واختيار المكان والزمان ومراعاة الحالة، وأن يكون التوجيه واضحاً فالغموض لا يحقق هدفاً. الحوار الناجح يحتاج لربان ماهر يدير دفته بنجاح بين العواصف والأمواج، ويشجع على استمرارية الحوار وبالتكرار يصبح سلوكا مكتسبا بالقدوة فيتربى الأبناء على الجرأة والثقة والتعبير عن المشاعر. ويحرر نفوسهم من الصراعات الداخلية ويخفف مشاعر الكبت فتتحقق ذواتهم ويتعلمون أساليب المناقشة الهادئة البعيدة عن التزمّت والعناد، فتتعمق لديهم قناعات اجتماعية إيجابية تؤهلهم للتكيّف مع المجتمع. أرجوكم أشعروهم بالأمان لتستقر عواطفهم المضطربة ويفهموا الأمور على حقيقتها. اسمعوهم باهتمام فالتأثير النفسي في السماع والإنصات لا يعادله أي تأثير آخر فهو أهم وسيلة للاتصال. وفي ظل هذه المتغيرات يحتاج الأبناء لوقت طويل للإقناع الحضاري التربوي ليتقبلوه بقناعات ثابتة مبنية على الثقة بالوالدين وحبهم لهم فيستجيبوا باقتناع ذاتي لا يتغير مع تغير المراحل العمرية لأن الوالدين جزاهم الله خيراً قد تفهموا خصائص كل مراحل النمو وطبيعتها وطبيعة الأبناء فيها، فمنهم السهل في التوجيه ومنهم المنغلق على نفسه ومنهم عكس هذه الصفات، ومنهم الحنون والحساس والمشاكس وشديد الطباع والمتمرد والمغرور والغيور، كل هذه الطباع في كل المراحل يجب أن يعرفها كل الآباء على الأخص غير الملمين بمراحل النمو خشية أن يطبقوا أسلوبا ونمطا واحدا في الحوار. أكرر: الحذر ثم الحذر قبل أن يجرف التيار أبناءنا، أو لنقل قبل أن يجرف البقية الباقية منهم وهذا واقع نعيشه اليوم. أولادنا "أمانة" فحذار أن نضيعها. "كفى بالمر إثماً أن يضيع من يعول". عليك أفضل الصلاة والسلام يا رسول الله.