للحوار أهمية بالغة في كل أمور الحياة، وخير شاهد على ذلك القرآن الكريم حيث أكده في مواقف الدعوة والتربية والتوجيه والإرشاد، وموضوع اليوم هو حوار تربية الأبناء لما فيه من راحة لنفوسهم وترويضها وتحريرها من الصراعات الداخلية والمشاعر العدائية والمخاوف والقلق، والتخفيف من مشاعر الكبت لديهم لأن الحوار من أهم الوسائل العلاجية البناءة خاصة عندما يمتاز بالإيجابية واليسر وبعيداً عن التعقيد ومع الصبر واحترام الرأي وعرض الأفكار بهدوء وترتيبها ودون اللجوء للصراخ والعصبية. يجب أن تكون هناك مجالات كثيرة للنقاش، ولا يجب أن يكون النقاش محاصرة المراهقة فالحوار الناجح لا يحتاج إلى رفع الصوت بل يحتاج إلى ربان ماهر يدير دفته بنجاح بين العواصف والأمواج، والاستماع الإيجابي يشجع على استمرارية الحوار وينمي العلاقة الحميمة بين الآباء والأبناء، وبالتكرار يصبح سلوكا مكتسبا بالقدوة فيتربى الأبناء على الجرأة، والثقة، والتعبير عن المشاعر فتتحقق ذواتهم. الاختلاف أمر وارد في الحوار ولكن إيجابية الاستماع وأساليب الحوار كفيلة بتقريب وجهات النظر بشرط تجنب اللوم والأحكام المتسرعة وقتل الشخصية.. أكثر الأبناء يشعرون بصعوبة في الاقتراب من آبائهم والسبب بالطبع بعد الآباء وانشغالهم عنهم، الأبناء بحاجة لمن يسمعهم ويزن تصرفاتهم بميزان العدل ويواجههم بأخطائهم بإقناع ليقتنعوا ويعرفوا الخطأ من والصواب. الأبناء بحاجة لعلاقة حميمة وحب واندماج لا علاقة رأسية كعلاقة رئيس بمرؤوسيه، بحاجة لحوار أفقي، حوار أصدقاء لا حوار تحقيق ضابط شرطة مع متهمين، بحاجة للحماية ومساعدة لتجاوز أنفسهم لا لفرض سلطة وأوامر. أرجوكم اجلسوا معهم وحاورهم بأسلوب دفءٍ عاطفي وأبوي، وأشعروهم بالأمان لتستقر عواطفهم المضطربة ويفهموا الأمور على حقيقتها. شجعوهم على الحديث بحرية واحتضنوهم بحسن استماعكم، رجاء حذف كلمة اسكتْ ولا أريد السماع.. حتى ولو بالحركات التي تحمل مضمون الرفض، وغوصوا في أعماق أفكارهم وأبحروا في توجهاتهم حماية لهم ولكم وللمجتمع وحتى لا نفقدهم إلى الأبد. ساعة أو ساعتين من وقتنا نمنحها لهم لن نخسر فيها بل سنكسب الكثير خاصة عندما نشطب الانتقاد من قاموسنا ونبدله بالتسديد وإقالة العثرات وتقييم الأفكار وغربلتها ليبقى النظيف منها لهم فكراً ومنطقاً ونهجاً وأسلوب حياة. الحذر من نشوء فجوة بين الأم وابنتها خاصة في مرحلة المراهقة، الفترة الأكثر حرجا وتأزماً بالنسبة للمراحل العمرية كلها، حيث إن التعامل معها صعب، هذا لمن يعرفون طبيعتها فكيف بمن هم أقل خبرة ومعرفة؟!! والأدهى عند وجود عاملي الهدم الرئيسيين «انشغال الآباء والأمهات بأمور الحياة والغفلة عن أبنائهم». في هذه الحالة كثيراً ما يسهم الوالدان في مضاعفة التعقيدات. الموضوع هام جداً، أتمنى أن يعرف الوالدان خاصة الأم حجم وشدة هبوب عواصف هذه المرحلة التي تجعلهم يعيشون الحيرة وصراع البحث عن الذات والقلق، يقول الخبراء: عندما يبلغ الأطفال درجة جادة من النمو (البلوغ) تبدأ حينذاك الاضطرابات النفسية التي تفرز سلوكيات غير منضبطة وتغييرا سريعا في المزاج، نوبات من تصرفات بالرعونة والعنف تعقبها نوبات معاكسة من الكسل والانزواء وعدم الشعور بالاطمئنان والأمان. سلوكيات ليس لها إطار محدد سببها تحولات فيزيولوجية وهورمونية تعرضهم لصدمات نفسية ومشكلات خارجة عن إرادتهم. هنا يأتي دورنا كأمهات وآباء، يجب علينا احتواء أمانتنا بصبر وحكمة خاصة الفتيات، وحتى تمر بسلام يتحتم وجود الأمهات الدائم مع تكثيف الحوار الهادف والهادئ للوصول إلى نقطة تلاقي الأفكار وتقريب وجهات النظر. وليس بالضرورة أن تكون الفتاة كتاباً مفتوحاً من ألفه ليائه، بل يجب أن تكون لها حريتها الشخصية خاصة المنطويات ذوات الشخصيات الانسيابية اللاتي يتحولن فجأة عند محاصرة الأسئلة إلى كتاب مغلق يصعب فتحه وفهمه. يجب أن تكون هناك مجالات كثيرة للنقاش، ولا يجب أن يكون النقاش محاصرة المراهقة والتحقيق معها وكأنها مذنبة. مطلوب المتابعة وليس التجسس حتى لا تفقد ثقتها بنفسها وهي في أمس الحاجة للثقة والصداقة الحميمة في هذه الفترة ضرورية. هذه المرحلة من أهم مراحل تكوين الشخصية والانفعالات الغاضبة لا تنجح في تعديل السلوك، يجب أن تُعطى الحرية في اختيار صديقاتها مع التأكد من سلوكهن فلا تُفرض عليها صداقة القريبات أو من تعرفهن العائلة. التعامل مع هذه المرحلة علم غزير وفن لابد أن تتقنه الأمهات والآباء، ولابد من الاعتراف بذاتية هذا الإنسان وبكينونته حتى لا يبحث عن تثقيف ذاتي غير مأمون أو بدائل لا نضمن نتائجها. [email protected]