قيل إن الحياة قرار.. حياة كل واحد منا برمتها قائمة على مجموعة قرارات، حتى السعادة ونقيضتها التعاسة هي محصلة قرار نفسي عميق يجزم به الإنسان. قرارات الإنسان كالأقدار يحرك بها حياته، وحتى ندرك أن هذا ليس مجرد نظرية فلسفية منفصلة عن الواقع، فلنتأمل حياة الأشخاص المغامرين، أولئك الذين لا ينفصل عنصر المغامرة عن تفاصيلهم الكبيرة والصغيرة، تلك الفئة التي تتخذ قرارات سريعة وجريئة باستمرار، خصائصهم الفكرية لا تقبل بمبدأ الاستشارة في صناعة القرار فهم يعتمدون على مجلس شورى سريع يعقدونه في مخيلتهم العقلية عند اتخاذ معظم القرارات.. هذه الفئة نجد فيها رجال الأعمال الذين بدأوا حياتهم بمغامرات تجارية جريئة جدا، ونجد فيها أيضا مجموعة رجال ونساء أصابتهم نكسة اقتصادية بعدما كانوا في حال جيدة من الوضع المالي. في مقابل تلك الجماعة من محبي المغامرة نجد شريحة «النمطيين» الذين يكرهون المجازفة في أمورهم حتى وإن كانت تحمل نسبا معقولة من النجاح، ويشعرون بالقلق الكبير قبل الإقدام على القرارات الجريئة في حياتهم. ورغم أن حياة هذا النوع من الشخصيات يتسم بالثبات وقليلا ما تتخلله النكسات -لأنهم يتفادونها كثيرا بالحذر المفرط وعدم المغامرة- إلا أن نكسات بعضهم الحقيقية تظهر في منتصف أعمارهم أو ربما في أواخرها، فكثير منهم أدرك بعد عمر طويل أمضاه مثلا في وظيفة معينة محافظا وخائفا من تغييرها أنها لم تستحق حق المبالغة في المحافظة عليها أو يدرك في مرحلة متأخرة لو انه أقدم على اغتنام بعض الفرص التجارية وهو في غمرة المحافظة على تفصيلات غير مهمة في حياته وأعطى وقتا قليلا لها لكان أفضل له، أو أن يكتشف أحدهم بعد عمر طويل أمضاه مع شريك حياة لا يستحق هذا العمر، أنه أفنى سنوات طوالا من عمره في المحافظة على بيت زوجية هش انكسر في الوقت الخطأ؛ وكان ليستبدله بخير منه لو أنه كان متخلصا من بعض المخاوف والأفكار الخاطئة التي صورت له أن الأمور ربما ستكون على ما يرام في الغد. ليست وحدها القرارات المالية الفاشلة ما يؤلم الإنسان بل إن القرارات العاطفية تقف على ذات المسار إن لم تكن أسوأ.. لأي أنواع الشخصيات أنت تنتمي؟ هل أنت تتخذ قرارك الكبير بنفسك دون أن تلجأ للاستشارة كثيرا وتقدم على أكثر قراراتك من خلال مجلس الشورى الذي تعقده في عقلك، أم أنك من الشخصيات التي تبني وتتخذ قراراتها بعد استفاضة كبيرة من الشورى والسؤال وربما في نهاية المطاف لا تقبل بالإقدام على القرارات الكبيرة التي تحتمل النجاح والفشل لأنك لا تطيق المغامرة في القرارات؟. إن أصحاب القرارات المترددة أو القرارات الروتينية أو غير الإبداعية لا ينحصرون في فئة وحياة الأشخاص العاديين التي يكون عائد قراراتهم على أنفسهم أو منازلهم، بل يمتد إلى أصحاب السلطة في المراكز المهمة والتي يشترك في مصير قراراتهم سواء (الفاعلة والجيدة) أو (الميتة) أو (المتهورة) عموم الناس في المجتمع. المهم هنا بشكل عام سواء كنت إنسانا عاديا أو صاحب سلطة وقرار؛ أن تقف مع نفسك وتعيد النظر في مسيرة قراراتك وما إذا كنت بحاجة إلى تغيير سياستها أو الإبقاء عليها، وأيا كان نوع التقييم الذي تخرج به عليك أن تسعى إلى التغيير لأن النمطية في الاتجاه الثابت على فترات طويلة من الزمن تخسرك الكثير.