التفسيرات العلمية ضرورة لمعرفة معالم وملامح علم إدارة مياه الأمطار، واستثمارها في مناطق الدرع العربي. تم تحديد أربعة عناصر ذات علاقة هي: (الاستنتاجات والتفسيرات العلمية)، (الهياكل وتطبيقات وأنظمة إدارة ماء المطر واستثماره)، (الأنظمة وهياكل تطبيقات ممرات مياه الأمطار «السيول»)، وأخيرا كانت (الملاحظات حول أوضاع هذه الأنظمة المائية والزراعية التقليدية)، رصدها كاتبكم عن واقع المنظومة التي تتعلق بهندسة البيئة في المقام الأول. الحديث مازال مستمرا عن العنصر الأول: (الاستنتاجات والتفسيرات العلمية). وتحت هذا العنوان (6) عناوين. في المقال السابق كان الحديث عن العنوان الأول: (فلسفة إنسان الدرع العربي في إدارة مياه الأمطار). اليوم يتطرق المقال إلى العنوانين الثاني والثالث: (إستراتيجية إنسان الدرع العربي في نظرته لماء المطر)، و(مفهوم إدارة مياه الأمطار عند إنسان الدرع العربي). هناك إستراتيجية غير مكتوبة يمكن لأي باحث في هذا المجال استنتاجها بكل سهولة. استراتيجية ناتجة عن رؤية وفلسفة إنسان هذه المناطق في نظرته لماء المطر.. عليها بنى إستراتيجيته.. تتلخص في العمل لتعظيم الاستفادة من ماء المطر بشكل رشيد ودقيق وفاعل.. تقوم على الاستفادة المباشرة من ماء المطر أو خزنه لتغذية المياه الجوفية في مناطقه.. ليس هذا فقط، لكنه أعطى أهمية للتخلص من مياه المطر الزائدة عن حاجته وحاجة أرضه المستصلحة زراعيا بطريقة نافعة لعموم بيئته غير المستصلحة. هذه الإستراتيجية عززت حياة مناطق أخرى بعيدة.. حيث صمم أدوات ووسائل لنقل مياه الأمطار الزائدة (السيول) إليها دون تخريب وتدمير وجرف للتربة. واحتا (بيشة) و(العقيق) خير شاهد على هذه الفلسفة.. حيث تقعان شرق هذه المناطق المطرية الأكثر حرارة وشح أمطار.. لكنها غنية بمياه السيول التي تُوجّه نحوها لمنع وتقليص أضرارها على مناطق المطر.. ذلك الفعل كان جزءا من مصالحه في الحياة.. شكل قوة مساندة لهذه الحياة. نقل مياه المطر إلى بيئات غير مطيرة يعتبرها سندا ودعما وتعزيزا لحياته. على سبيل المثال، موقع بيشة جغرافيا ومناخا جعلها واحة نخيل تغذي إنسان الدرع العربي ب(التمر).. هذه المنفعة البيئية لها جذور لمنهج حياة كان محل احترام وفق قواعد غير مكتوبة.. لكنها قواعد مفهومة بيئيا عبر تاريخها.. تسقط الأمطار في جهة ويتم نقل مياه السيول عنوة عبر مسارات إلى أماكن أخرى.. منهج تبادل المنافع والمصالح دون ضرر وإضرار. عبر الزمن استطاع تحويل فلسفته وإستراتيجيته لماء المطر إلى ثقافة اجتماعية ونمط حياة وسلوك.. مثلها مثل الفنون الشعبية التي تعبر عن الإنسان والبيئة.. تشكل ملامح حياة بخصائص خاصة يمكن تمييزها والحكم عليها من الأطراف الأخرى البعيدة عن مجتمعه.. كنتيجة أصبحت منهج حياة وعقيدة بيئية لابد من احترامها وتقديس تطبيقها وممارستها من أجل البقاء.. ترتقي لتصبح جزءا من أمنه.. وجزءا من المتطلبات الأخرى لحياته. العنوان الثالث: (مفهوم إدارة مياه الأمطار عند إنسان الدرع العربي).. حيث يكشف جوانب مهمة من الحياة في هذه المناطق الجافة.. يتشكل جسم هذه الحياة من خلال إدارة مياه الأمطار واستثمارها.. نتاج تفاعل إيجابي بين الإنسان والبيئة.. كلاهما محتاج إلى ماء المطر.. هذا يعني توظيف البيئة والمطر لصالح حياة الإنسان.. وأيضا توظيف المطر والإنسان لصالح البيئة.. وأيضا توظيف البيئة والإنسان لصالح المناخ الذي يحمل المطر. علاقات متداخلة.. لها تفسيرات علمية متشعبة.. الأهم في هذه العلاقات.. يتجلّى في رؤية الفرد العربي لأهمية ماء المطر.. كنتيجة تنصب الجهود لتعظيم توظيفه.. بوسائل.. تتحكم فيها إدارة تتقن دورها من خلال وضوح الأهداف. فهم دور الإنسان في هذه البيئات يُشكل فرشة مهمة.. لتشكيل قناعة تؤدي إلى ترسيخ عقيدة ناجحة.. للحياة في المناطق الجافة.. تعتمد على الإدارة في كل مناحي الحياة.. هذا يعني تحديد الأولويات.. وهذا تخطيط بمفهومه العلمي. تعتمد الإدارة على وحدات من الممارسات المهارية التراكمية المشذبة والمتناغمة.. تكمل بعضها البعض.. بواسطة أدوات متوفرة بيئيّا وسهلة الاستعمال والتطبيق.. لتحقيق تعظيم الاستفادة من ماء المطر.. هي جزء من نتائج نجاح تعامل الإنسان وتعاونه مع البيئة.. نجاح هذه الإدارة يتوقف على فهم البيئة واحترام متطلباتها وتحقيقها. توجيه الجهود لتعظيم الاستفادة من مياه المطر.. يتطلب تفاعلا، وحماسا، ونشاطا منضبطا، ودقة، ومتابعة، والتزاما دقيقا.. بجانب احترام مسئولية هذه الإدارة.. واستشعار خطورة التراخي، والتهاون، ونتائجه السلبية على الإنسان والبيئة. ويستمر الحديث بمقال آخر.