العالم على موعد مع يوم العلوم العالمي لدعم السلام والتنمية (World Science Day for Peace and Development) حيث يتم الاحتفال بهذا اليوم في العاشر من نوفمبر سنويا تأكيداً على دور العلوم والعلماء في تحقيق سلام الشعوب وتحقيق تنميتها المستدامة، والأهداف المعلنة في الاحتفال بهذا اليوم تتمثل فيما يلي : * زيادة الوعي العالمي بدور العلم في تعزيزه للسلام والمجتمعات المستدامة. * تعزيز التضامن بين دول العالم لتبادل العلوم. * تجديد الالتزام الدولي لاستخدام العلوم لصالح المجتمعات. * لفت الانتباه إلى التحديات التي تواجه العلم والعلماء. إن المؤشر الفعلي لتقدم الدول وقوتها هو قياس حجم الإنجازات العلمية والتقنية والاقتصادية التي حققتها، وقدرتها على توظيف العلوم في القطاعات التنموية المختلفة، والشراكة الدولية لإحلال السلام. علينا أن نطرح عددا من التساؤلات في هذا الجو الاحتفالي العالمي بالعلوم، نتساءل: أين نحن من خريطة العلوم العالمية ؟ وأين تأثير هذه العلوم على تحقيق السلام والتنمية المستدامة في عالمينا العربي والإسلامي في واقعه الراهن ؟ وهل نكتفي (بالفرجة) المنبهرة للإنجازات العلمية والتقنية للآخرين وجلد الذات بضآلة نصيبنا من هذه الإنجازات ؟ وهل لدينا رؤية تنموية ترتكز على توظيف ثقافي وتقني للعلوم ؟ مثل هذه الأسئلة قد تكون منطلقا لدراسة وضعنا الحقيقي تجاه العلوم حتى لا تستمر حالة الوهن الحضاري الذي أخرج إلى الحياة إنسان الغريزة الاستهلاكية أو إنسان الجهالة الاتكالية. نحن مصنفون في دول العالم الثالث أو في الدول النامية، ومع أن دولا نامية في العالم كماليزيا وكوريا وسنغافورة (والأولى إسلامية) استطاعت ان تحقق تقدما نوعيا وكبيرا في بناء قاعدة صناعية متطورة انطلاقا من مقدراتها الذاتية وعنايتها بمناهج التعليم واستفادتها من التقنيات الغربية، إلا أن الكثير من دول العالم النامي ونحن منها لا يزال يواجه تحديات صعبة للنهوض. ولنجب عن السؤال الأهم : ماذا علينا أن نفعل ؟ أولا : لابد أن ننظر إلى التنمية من منظور شمولي لا يقتصر على البعد الاقتصادي، بل توجيه جل الاهتمام للإنسان بوصفه المحور الأساس للتنمية. وهناك دراسات تطبيقية قام بها كندريك (Kendrick) وشولتز (Schultz) وكازنتس (Kuznets) دلت على نتائج مذهلة حول أثر تحسين قدرات البشر في النمو الاقتصادي بحيث إنّ 90% من ذلك النمو في الدول الصناعية كان مرجعه تحسين قدرات الإنسان ومهاراته والمعرفة والإدارة، فالقدرة الإنسانية وليس رأس المال هي العنصر الدافع رقم واحد. عندما أراد الله - تعالى - أن يجعل في الأرض خليفة لإعمارها هيأه لهذا الدور {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا } (31) سورة البقرة، ليعمل في إصلاح الأرض لا إفسادها ولينشر الأمن في البشرية فيها لا ليسفك دماءها. ثانيا : إنشاء مراكز البحث العلمي ومراكز الدراسات، ومراكز المعلومات، لبناء منظومة المعرفة، وتقنياتها، ومن ثم تأتي المدارس والمعاهد والجامعات لتكون وسائط تعليم وتدريب وتأهيل. الاشتغال بالبحث العلمي جدير بأنْ يهيئ للأمة طاقات وكفاءات تجعلها تعتمد على ذاتها وتحقق الزيادة أو التنمية المنشودة { وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (114) سورة طه. ثالثا : وقف نزيف الأدمغة والكفاءات إلى العالم الغربي، وهذا يحتاج إلى إمكانات مادية لتوفير أدوات البحث والتطوير ، ونذكر هنا ما ينفقه الاتحاد الأوروبي على البحث العلمي، حيث وضع الاتحاد ميزانية خلال الفترة بين 2007- 2014 مقدارها 300 بليون يورو ، وبوسع بلادنا العربية الغنية تكوين صندوق إقليمي لتمويل مشاريع البحث العلمي مع توفير أجواء الحرية التي تطلق مكامن الإبداع. وفي الحض على الإنفاق في الصالح العام يقول تعالى : {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (92) سورة آل عمران. رابعا : العمل على الاستفادة من العلوم في ترقية الإنسان والحياة، والانتقال من الجانب النظري إلى الجانبين التطبيقي والتقني، وهذا يقتضي تطويرا في أساليب التعليم العملية ودعما لمراكز التدريب. وقد استعاذ نبينا من العلم الذي لا نفع له فقال «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ» .. أخرجه مسلم. أما استغلال العلم في حقل التسليح والتدمير بأيدي المعتدين فهو سوء استخدام يخرج عن الأغراض الدفاعية المطلوبة، وهنا إشارة جديرة بالتأمل في سياق قصة ذي القرنين لما شكا إليه أقوام من عدوان يأجوج ومأجوج عليهم، فهو مع قوته العسكرية الهائلة لم يشعلها حربا عليهم لكنه - بعلمه التقني - ساعدهم في بناء سد دفاعي حصين يحميهم من شرورهم: {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا} (95) سورة الكهف.