ذكر الله سبحانه وتعالى لنا في القرآن الكريم ظاهرة النوم في معرض الامتنان علينا، والبيان لنا بأن هذه الظاهرة آية من آياته؛ وهذا البيان يدلنا على أمور كثيرة منها: إثبات أن النوم ضروري للإنسان، ومنها حصول الضرر لمن يخالف الفطرة التي جبل الله الخلق عليها من التمتع بالنوم، ومنها أن عدم النوم بالمقدار الذي يحتاجه الإنسان منه قد يفضي إلى الهلاك. إلى غير ذلك من المعارف حول هذه الظاهرة مما كان الإنسان في عصر تنزل القرآن الكريم على جهل تام بها؛ وما ذلك إلا لكونها مصنفة وإلى زمن قريب مع الأسرار الكونية، التي لا يحيط بها علما إلا الله جل وعلا. وقد ذكر الباحث في الإعجاز العلمي د. عبدالحفيظ الحداد أن الذي حصل هو أنه بعد تطور مسيرة البحوث العلمية، وتمكن الإنسان من اكتشاف الحقائق المتعلقة بالكثير من القضايا الكونية ومنها النوم فإنه قد استطاع إدراك مناط الحقيقة الكامنة وراء وصف الله جل وعلا لهذا النوم بأنه آية من آياته جل وعلا. يقول تعالى: «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا» الفرقان: 47. ويقول كذلك وهو أصدق القائلين: «وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا» النبأ: 9. ويقول جل وعلا: «اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» الزمر: 42. وقال جل جلاله: «قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ» القصص: 72. يؤكد لنا الدكتور عبدالله العبادي ضرورة النوم فيقول: (وهو شيء ضروري للإنسان وغريزي كالأكل والشرب لا يستغنى عنه ولولاه لما استطاع أن يواصل متابعة نشاطاته اليومية، وقد اقتضت حكمته سبحانه أن جعل زمانه الليل دون النهار وذلك حين يسكن البشر عن الحركة والضجة والضوضاء ونوم الليل فائدته أعظم من النهار لما يصاحبه من سكون وراحة بال الإنسان «وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً» وهكذا اقتضت حكمته سبحانه أن جعل نوم البشر سباتا في الليل. انظر القرآن عندما يعرضها في عملية حية ويقول: «إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ»... «ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا» كأن النوم هذا عملية حياتية ضرورية. ولذلك قال بعدما خلقناكم أزواجا قال: «وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا» إذا فمسألة النوم نعمة من نعم الله الكبرى على الإنسان. ولذلك كان من ضمن آيات الامتنان من الله على خلقه «وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ» وبعد ذلك يقول: «قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ» ثم يقول: «قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ» إذن جعلنا (النوم سباتا) هذه عملية من النعم الكبيرة وما دام النوم هذا يفقد الإنسان صلته بحركة الحياة فسماه السبات، لأن السبت هو القطع. قطعك عن حركة الحياة بالنوم، قطعك رحمة بك وبآلتك ولذلك سموه موتا «اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا» لأنه قطع عن الحركة لا إلى عودة ولأنه يفقد الحركة والوعي، ويذكر الشيخ عبدالرحمن حبنكة الميداني هذه التجربة التي تؤكد ضرورة النوم بقوله: (وفي هذا نذكر ما قرره علماء الروس من أن التجارب التي أجريت على صغار الكلاب أثبتت أنها لم تستطع الحياة لأكثر من خمسة أيام بغير نوم، بينما عاشت مثيلاتها التي تنام عشرين يوما بغير أكل). وجه الإعجاز هنا أن النوم ضروري للإنسان وأن حرمانه من النوم مدعاة لهلاكه. وإن هذه الحقيقة لدى التأمل تتطابق تماما مع ما ورد ضمن دلالات النصوص القرآنية الواردة بصدد النوم. وهذا التطابق التام بين ما دلت عليه النصوص الواردة في هذا الشأن مع ما توصل إليه العلماء من حقائق ثابتة ومستقرة.