ما بين شبهة العمل الإرهابي وفرضية الخلل التقني، لا تزال تقبع أسباب حادث طائرة الإيرباص 321-200 التابعة لشركة "متروجيت" الروسية، التي سقطت فجأة السبت الماضي، في منطقة الحسنة، بجزيرة سيناء، وعلى متنها 224 سائحا روسيا مع الطاقم، عقب إقلاعها من مطار شرم الشيخ بقرابة 23 دقيقة فقط. وفيما سارع ممثل تنظيم "داعش" والمعروف ب"ولاية سيناء" بتبني المسؤولية، ردًّا على الضربات الجوية الروسية الأخيرة في سوريا، بل وبث فيديو مصور لسقوط الطائرة على مواقع التواصل الاجتماعي، انتفضت مصر التي استيقظت صباح السبت، على وقع الكارثة وأشلاء الضحايا التي توزعت على مساحة تقارب 20 كيلومتراً، وتعاملت بسرعة مع الحادث، وخرج رئيسها عبد الفتاح السيسي معتبراً ادعاء "داعش" بأنه "محض دعاية" تهدف إلى الإضرار بسمعة بلاده. بالتوازي مع خبراء أمنيين مصريين وأجانب، شككوا في صحة رواية التنظيم الإرهابي، وفنّدوها لاعتبارات عديدة.. أهمها أن الطائرة كانت تحلق على ارتفاع كبير (33 ألف قدم) ولا يمكن أن يصيبها صاروخ من الأرض، وأن تنظيم الدولة ليست لديه هذه النوعية من الصواريخ المتقدمة لكي يسقط طائرة على هذا الارتفاع، كما أنه من المستبعد وضع قنبلة على الطائرة، في مطار شرم الشيخ، شديد التعقيدات الأمنية، كما ترى صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية. سيناريوهات وتحليلات عقب الحادث، اتسعت رقعة التحليلات والسيناريوهات المحتملة، فيما لا يزال الفزع المصري "المكتوم" من صحة ادعاء "داعش" مسيطراً بشكل أو بآخر، أما روسيا التي تمالكت أعصابها فقد سارعت بالمطالبة على يد رئيسها فلاديمير بوتين ب"التحقيق الشامل في أسباب كارثة الطائرة الروسية بسيناء، وأنه يجب فعل كل شيء لتكوين صورة موضوعية لما حدث، حتى يعرف ما الذي حدث، وكيفية التعامل معه بالشكل المناسب".. بينما العالم الذي اكتفى بالتعزية والمواساة لا يزال يترقب النتائج، في وقت أعلنت فيه عدة شركات طيران حظر مرور طائراتها بشبه الجزيرة مؤقتاً، حتى تتضح الرؤية. احتمالات مفتوحة ووفقًا لما بثته وكالة أنباء "سبوتنيك" الروسية، فإن البحث عن الطائرة في هذه المساحة الكبيرة بسيناء يدل على أنها تحطمت في الجو قبل أن تصطدم بالأرض بفترة كبيرة، ولكن صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية عقبت على الروايتين المصرية والروسية، بالقول إن مسؤولي البلدين بدأوا بالتراجع بعد يوم من الحادث عن تأكيداتهم الأولى التي قالت إن الطائرة سقطت نتيجة عطل فني وليس نتيجة صاروخ أطلقه تنظيم "ولاية سيناء". بدوره، أعلن "الكرملين" في روسيا أنه لا يستبعد أية فرضية، وقال نائب مدير عام شركة (كوغاليم آفيا) صاحبة الطائرة المنكوبة، ألكسندر سميرنوف: إن الشركة الآن ترجح تعرض الطائرة لتأثير خارجي، وتعتبر ذلك التفسير الوحيد لما أعلن عنه محققون من أن الطائرة قد تفككت في الجو قبل سقوطها، مؤكداً أن الطائرة كانت في حالة ممتازة تقنيًّا تستبعد حدوث خطأ في القيادة. عطل أم تفجير تقني؟ العطل الفني، ربما يكون سيّد الموقف، حتى اللحظة، ولكن من المبكر جدًّا الحديث عن نتائج، فتسجيلات برج المراقبة تؤكد أن الطيار لم يطلق أي نداءات استغاثة، "ربما واجهت مشكلة مفاجئة"، هذا ما أكده المسؤول الجوي الروسي "فيكتور شوشرينكو" الذي عاين مكان الحادث، وقال: "إن الطائرة انفجرت في الجو، وهو ما يفسر انتشار حطام الطائرة على مساحة ثمانية أميال مربعة". موقع هيئة الإذاعة الألمانية "دويتش فيليه"، نقل عن بعض الخبراء حصول ما يسمى "انفجارا تقنيا"، أي انفجار محرك أو مشكلة حمولة، معتبراً أن هناك حالات عدة تحصل فيها مشكلة كبيرة في الجو ما يؤدي إلى تفكك الطائرة قبل أن تصل إلى الأرض من دون أن يكون ذلك اعتداء.. ولكن المشاكل التقنية التي قد تتسبب بانفجار أو بانشطار نادرًا ما تحصل، حيث إن انفجارًا للطائرة في الجو ناجمًا عن سبب داخلي يبقى أمرًا غير مرجح إلى حد بعيد. رفض.. ورفض! ربما يمكن تفهم سبب الرفض المصري لرواية "داعش" ومسؤوليتها عن الكارثة، لاعتبارات كثيرة أهمها، أن الاعتراف بالرواية الداعشية هو نقيض لما تحاول مصر ترسيخه حول قدرتها الأمنية، ومجرد قبول مسؤولية التنظيم يعني انهيارا وضربة تحت الحزام لكل الجهود المصرية في مواجهة الإرهاب، ومع ذلك يبقى السؤال، لماذا ترفض موسكو رواية "داعش" مع أنه كان بإمكانها استغلال هذه المزاعم لحشد مزيد من الدعم لضرباتها ضد التنظيم في سوريا؟. الإجابة هذه المرة، تبنتها مجلة "تايم" الأمريكية، التي قالت إن روسيا اختارت طريقًا آخر، وهو "التشكيك في إعلان تنظيم الدولة كي لا تشجع الاعتقاد بأن للتنظيم القدرة على قتل أكثر من 200 مدني روسي بصاروخ أرض جو".. إضافة إلى أن أية محاولة للربط "أمر خطير بالنسبة للكرملين، حيث يخشى الانتقادات الداخلية بأنه هو السبب في إثارة نار الإرهاب". تلميح للصيانة بالمقابل، تم مؤخراً حديث عن انشغال الإعلام الروسي بحقيقة أن مستوى التأمين والصيانة لأسطول شركات الطيران المحلية لا يطابق المعايير الدولية، حتى بعد أن اتجهت هذه الشركات لاستخدام طائرات مصنعة في الغرب، بالتزامن مع شكاوى عن صيانة رديئة في غياب رقابة حكومية، إضافة للوضع الاقتصادي السيئ للكثير من الشركات الروسية، إذ في الأيام القليلة الماضية لفت طيارو الإيرباص إلى وجود أعطال في أحد المحركات. ليس هذا فقط، بل إن صحيفة "الشروق" المصرية المستقلة، نشرت صباح الأربعاء، تقريراً مع صورة (نقلاً عن بوابة يكاترينبورج أون لاين الإخبارية الروسية) تظهر كيف أن شقوقاً "واضحة جداً" ظهرت في ذيل ذات الطائرة المنكوبة قبل 6 أشهر من الحادث. تحليل التسجيلات ورغم أن شبكة CNN الأمريكية أشارت الثلاثاء عبر موقعها بالعربية إلى رصد الأقمار الصناعية الأمريكية "وميضاً حرارياً" لحظة الحادث، وأنه وفقاً لخبراء يمكن أن يتعلق "بصاروخ أو قنبلة أو انفجار محرك بسبب عطل أو حريق أو اصطدام حطام بالأرض" إلا أن وكالة "انترفاكس" الروسية الشهيرة فاجأت الجميع بالكشف عن أولى نتائج الاستماع لتسجيلات قمرة القيادة، وقالت إنه كانت هناك "أصوات غير مألوفة" قبل لحظات من اختفاء الطائرة من على شاشات الرادار، وأضافت إنه من تحليل التسجيلات يتبين أنه "كان هناك موقف طارئ مفاجئ على متن الطائرة، لم يترك للطيارين فرصة إرسال إشارة استغاثة". غير مستبعد! عكس كل ما مضى، وفيما رجح موقع "ديلي بيست" الأمريكي إمكانية تعرض الطائرة لما سماه "انفجارا نظيفا" لا يترك آثار حريق لكنه "قاتل بنفس درجة التفجير العادي"، ذهبت بعض وسائل الإعلام في تخميناتها إلى أبعد مدى لتطرح احتمال أن يكون قائد الطائرة قد أسقطها سلفًا، وهو ما يمكن ربطه بالسقوط المتعمد لطائرة الإيرباص التابعة لشركة "جيرمان وينجز" في مارس الماضي، على يد مساعد الطيار أندرياس لوبيتس، والذي أسفر عن مقتل 150 شخصًا. ورغم أنه يعد احتمالًا مستبعدًا إلا أنه حدث في الماضي، ففي إحدى الحالات أغلق أحد الطيارين على نفسه الباب وحيدًا في قمرة القيادة، وأسقط الطائرة. في كل الأحول تبقى جميع الفرضيات مفتوحة على مصراعيها.. بانتظار دخان أبيض من الصندوق الأسود..!