في غضون عقد من الزمن فقط، تحولت الصين من إنتاج القليل جدا من المعادن النادرة إلى اكتساب شبه السيطرة الاحتكارية على كثير من أسواق المعادن النادرة. وسرعان ما أصبحت المعالِج المسيطِر للكثير من المعادن، حتى تلك التي لا يتم استخراجها في الصين. استمر دور الصين الكبير في السوق في التوسع خلال الألفية الثانية: ففي عام 2010، أنتجت الصين حوالي 40 بالمائة من معادن العالم النادرة وبذلك ترتفع النسبة عن 29 بالمائة في عام 2000. السبب في أن الصين هي التي أصبحت مهيمنة في إنتاج الكثير من المعادن الهامة لم يكن فقط سياسة الموارد الحكومية. بل كان أيضا نتيجة حسن الحظ من ناحية جيولوجية والتركيز طويل الأجل على تطوير قاعدتها التصنيعية. أصبحت سياسات بكين أكثر تعقيدا وبشكل متزايد. حيث أدركت أن بيع المعادن والفلزات في الخارج كان فرصة ضائعة. بدلا من تصدير المعادن للمساعدة في خلق فرص وظيفية في اليابان، أرادت الصين بناء منشآت تصنيعية فائقة التكنولوجيا تعمل على استخدام مواردها الخاصة بها. فرضت بكين قيودا على الصادرات، وقدمت أسعارا محلية أقل وإمكانية الوصول إلى الإمدادات الموثوق بها من المعادن النادرة، وذلك من أجل اجتذاب الشركات الأجنبية لتعمل على جلب عملياتها التشغيلية فائقة التكنولوجيا إلى الصين. نجحت الاستراتيجية. على مدى العقد الماضي، عملت الصناعات في اليابان، التي كانت تعتبر أكبر سوق تصدير للمعادن النادرة الصينية، على نقل عملياتها التي تعتمد على تلك العناصر إلى الصين. قال لي مايكل سيلفر، الرئيس التنفيذي لشركة (العناصر الأمريكية) American Elements في مقرها في كاليفورنيا: "لقد شهدنا في أعمالي التجارية أخيرا قيام عدد ضخم من عملائنا ببناء المرافق في الصين للوصول إلى العناصر". لم تكن تلك الخطوة متخذة فقط من قبل اليابان. تاريخيا، كانت الولاياتالمتحدة هي التي تورد جميع كميات السيريوم والنيودايميوم المستخدمة في مصابيح شركة "جنرال إلكتريك". لكن إمكانية الوصول إلى الموارد غيرت هذا. قال سيلفر: "كل هذا يتم فعله في الصين الآن. وبالمثل، نقلت كل شركة تصنيعية لتوربينات الرياح الرئيسية عملياتها إلى الصين". في عام 2013، أظهر جان يونج، رئيس الجمعية الصينية للمعادن الأرضية النادرة، علنا الأساس المنطقي الذي كان منذ فترة طويلة في صميم سياسة بكين المتعلقة بالمعادن النادرة: "القيمة الحقيقية للمعادن الأرضية النادرة تتحقق في المنتج النهائي". تقوم الصين الآن بتدعيم صناعة المعادن النادرة في أيدي العديد من الكيانات المملوكة للدولة؛ للحفاظ على انضباط السوق. لم تعد بكين تريد تجميع الأدوات ذات المكونات الأجنبية. بل تريد، مثل جميع البلدان الغنية بالموارد، تعظيم الموارد المحلية من أجل تحقيق المكاسب المحلية. الأكثر من ذلك، يعتبر كل من زيادة وتحسين قاعدتها التصنيعية أمورا حاسمة بالنسبة للقيادة في الصين. حيث إن الشرعية السياسية للنظام مرتبطة بقدرته على التأكد من أن البلد يمتلك الموارد التي يحتاجها؛ للحفاظ على النمو. وهذا يعني صناعات مزدهرة فائقة التكنولوجيا تخلق فرصا وظيفية في جميع أنحاء سلاسل التوريد في البلاد. وحيث إن هذه المعادن تلعب دورا أساسيا متكاملا في تلك السلسلة، فمن المحتمل أن تستمر معارك الموارد الجغرافية السياسية. للتحصن ضد تلك المخاطر، والتي يطلق عليها في الدوائر اليابانية اسم "الخطر الصيني"، حاولت الكثير من الشركات استبدال المعادن النادرة في خطوط الإمداد لديها. لكن هذا عبء كبير ليس من السهل تحقيقه. حيث إن الاستبدال يعتبر تحديا متزايدا في برمجيات اليوم المعقدة حين يمتلك كل عنصر ميزات وخصائص معينة غير مشتركة على نطاق واسع، إن لم تكن غير مشتركة إطلاقا، مع عناصر أخرى. لاحظ أنه ليس بمقدورنا العثور على بديل مناسب للسكر في مشروباتنا الخفيفة، مع أن الشركات تنفق ملايين الدولارات على الأبحاث في محاولة للعثور على مادة بديلة عن السكر، وبالتالي فإن الشركات سوف تعاني الكثير في سبيل استبدال معدن النيودايميوم في قطع المغناطيس. وحتى لو تحولت الشركات بعيدا عن مجموعة معينة من المعادن النادرة، فإنها تُعِد نفسها حتى تتعلم من جديد أن التبديل بحد ذاته ربما لن يجعلها في وضع مأمون أكثر من قبل من حيث الحصول على الموارد. قبل عدة عقود انتقلت الشركات اليابانية من استخدام المغانط المصنوعة من الكوبالت، وهو معدن يتم إنتاجه بالكامل تقريبا في الكونغو، إلى ما كان يبدو أنه الأمن النسبي لتأمين المعادن النادرة من الصين. بصورة متزايدة اليوم، نجد أن الأمن الاقتصادي الوطني ومصير كثير من الشركات يتوقف على مجموعة من المعادن التي لم يسمع بها أحد، والتي غالبا ما يتم إنتاجها في بلد واحد فقط، وفي كثير من الأحيان يكون هذا البلد هو الصين. وفي الوقت الذي تُصبح فيه منتجاتنا أكثر تطورا، وخطوط الإنتاج أكثر تداخلا وتعقيدا، تصبح شركات التصنيع مرتبطة بخصائص معادن نادرة بعينها، ما يجعلها رهينة للموارد. بدون وجود المزيد من خطوط الإمداد القوية، فإن الحرب حول الجدول الدوري ربما تكون فقط في مرحلة البداية.