«اصنعوا لآل جعفر طعاما فإنه قد أتاهم ما يشغلهم»، وصية الرسول -صل الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- للصحابة، وآل جعفر كانوا لا يتجاوزون ثلاثة أو أربعة كما ورد في بعض الروايات، وعلى هذا يستحب إعداد الطعام لأهل الميت؛ مساعدة لهم ووقوفا معهم ومع مصابهم. لكن حال العزاء وصناعة الطعام لأهل الميت في زماننا هذا قد أخذت منحى آخر، وتجاوزت حدود حاجة أهل الميت إلى الإسراف والتبذير والمفاخرة، ووصل التنافس إلى اطلاق ألسنتهم بالأيمان المغلظة والتهديد بالطلاق لإثبات قوة ومتانة علاقتهم بأهل الميت، وقد سبب هذا التنافس القطيعة بين الأقارب عند بعض الأسر، هذا من جانب. ومن جانب آخر، عند دفن الميت تجد المعزين يتزاحمون حول القبر والتجمهر عادة مجتمعية تجدها في كل مكان، وبعد الدفن يبدأ المشهد الأهم وهو عزاء أهل الميت، ومع كل أسف اصبح الهدف عند البعض هو (تراي جيت اعزي) وهذا واقع مشاهد لا يمكن لأحد انكاره، ناهيك عن الفوضى والتدافع للوصول لأهل الميت، قال أحدهم لأخيه عندما طلب منه الذهاب لتعزية جار لهم، قال ما عزانا في وفاة الوالد، وكأن المسألة أصبحت مقايضة (عزونا ونعزيكم!!) تأتي بعد ذلك المرحلة الأهم وهي موقع العزاء للرجال وموقع العزاء للنساء، وقد يأتي زمان يخصص فيه موقع للشباب، ويبدأ بناء وتشييد المخيمات بكامل تجهيزاتها مما يشكل أعباء إضافية لأهل الميت ويتوافد المعزون من كل مكان؛ لتقديم واجب العزاء، وهناك فئة تكون قريبة من اهل الميت يتواجدون في المخيم طول أيام العزاء وهكذا، خلاصة الأمر في النقاط التالية: . كثير من المشاهد بعيدة عن الشرع وإنما هي عادات متوارثة تتطور مع الأيام. . الواجب بعد الدفن الوقوف عند القبر لفترة ذبح جزور وتوزيعه (فترة تقديرية) والدعاء للميت لأنه أحوج ما يكون للدعاء في هذه اللحظة. . أرى أن التعزية في المقبرة كافية ولا أجد ما يدعو لتكرارها في المنزل. . الهاتف قد يفي بالغرض خاصة لمن كان بعيدا عن مكان العزاء. . العزاء بالمصافحة كاف عن العناق والقبلات التي تطيل فترة العزاء. . أصبح العزاء فرصة للالتقاء وتبادل الأحاديث الجانبية. . احترام أهل الميت وعدم رفع الصوت والمجاهرة بالضحك. . تحديد فترة العزاء بوقت العصر وبعد المغرب هي أنسب من جعلها طوال النهار، ويمكن تقديم العزاء بالمسجد أو بمكان العمل. . البعض يداوم على الصلاة على الأموات والتعزية ولا يعرف الأدعية المأثورة أثناء صلاة الميت! والبعض الآخر يجهل صفة الدعاء للفرط والصغير. . العزاء أصبح عند الأكثرية مجاملة اجتماعية والواقع يؤكد ذلك، أخيرا.. لا يمكن تغيير عادات متجذرة بين يوم وليلة من خلال كلمات عابرة، لكن هي محاولة للتذكير وتصحيح بعض المفاهيم، لعلها تفيد، ومن المؤسف حقا ان يحرص البعض ويكون في اول الصفوف عند صلاة الميت والعزاء وهو من ينادي المعزين ويقف على رأس الميت أثناء الدفن، ويعاتب من لم يحضر العزاء وهو لا يصلي مع الجماعة أو لا يصلي بتاتا!! اللهم اغفر وارحم وتجاوز عن أمواتنا وأموات المسلمين.. للجميع التحية.