النخلة شجرة طيبة «أصلها ثابت وفرعها في السماء»، والله سبحانه وتعالى أكرم النخلة وذكرها في القرآن الكريم في ثلاثة وعشرين موضعاً وذكرت في الحديث الشريف فيما يزيد على ثلاثمائة ونيف، والدولة -حفظها الله- أكرمت النخلة أيما إكرام واتخذتها مكونا رئيسيا في شعار المملكة وبذلت كل ما تستطيع لإكرامها من دعم لغرسها ورعايتها ومن ذلك إنشاء مراكز بيع التمور وتسويقها في الأحساء وغيرها على أجمل طراز وأكمل تنسيق وأمرت بإقامة المهرجانات المروجة لها. وربما لأَني أحسائي المولد والهوى فالحديث عن النخيل والتمر ذو شجون ويقودنا -لا محالة- للحديث عن مهرجان التمور في الأحساء الذي في وضعه الحالي لا يخدم تسويق التمر بشكل مجد رغم كل ما يبذله العاملون عليه من جهد، فإخلاصهم واضح وحبهم لخير الأحساء يلاحظه كل منصف.. وهنا من قبيل النقد البناء والحوار الهادف، بعيداً عن المجاملة المخلة بالمصلحة العامة، نقول هذا المهرجان دون أن يعزز مبيعات التمر ويدعم المزارع، هبط بأسعار التمور إلى مستويات دنيا، وأحال المزارع من فلاح منتج إلى مدين مفلس. وربما «ما كل مجتهد مصيب» لها أكبر نصيب..!!! تمر الأحساء الشهير الذي كان سعر المن فيه يتراوح بين الثلاثة آلاف ريال (3000) في سنوات خلت قد هبط إلى ستمائة ريال (600)، و إذا أخذنا هذا في اعتبارنا مع ملاحظة ارتفاع أجرة اليد العاملة يكون المهرجان الأخير قد نقل المزارع الأحسائي من مواطن منتج رابح إلى خاسر مدين مفلس، أو على وشك!! ورغم ان انخفاض سعر التمر بدأ قبل المهرجان إلا أنه قد ازداد هبوطاً بعده.. ومن هنا بدأ الموت البطيء لنخيل الأحساء، إلا أن يقيض الله رجالا أكفاء ذوي مهارة في التسويق، ونظام زراعي يضع حدودا بينة وخطوطا عريضة لا يتجاوزها السوق. و الحقيقة المؤلمة: سوف ينتهي باب هذا الرزق وسوف يقضى على مزارع الأحساء إن لم توجد حلول عاجلة من حماية لسوق التمر ومن وضع ضوابط للبيع تدعم حاجة المستهلك الفرد وتنهي سيطرة تجار التمر على السوق. والواضح أن تسويق تمور الأحساء بشكل عام متعثر من دون شك ولعل حصر أسباب التعثر يحتاج إلى دراسة مختص، إنما الذي يبدو ظاهرا من «قمة جبل الجليد» يتمثل في عوامل منها: * الحراج على التمر المجلوب للمهرجان بشكل سريع لا يتجاوز بضع دقائق للسيارة الواحدة. * الحراج على السيارات بحمولات كبيرة تكون في غالبها موجهة للتاجر. * اقصاء المستهلك الفردي وحرمانه من شراء ما يتناسب وحاجته من كميات يسيرة. * عدم السماح للبائع بالوقوف خارج مظلة الحراج لبيع تمره للراغبين في كميات قليلة. * عدم وجود آلية فعالة لتعبئة وتسويق التمور محلياً. * عدم وجود شركات كبرى تقوم بشراء التمور وتسويقها عالمياً. * قصور واضح في دور الصناعة التحويلية لمنتجات النخيل من تمور وغيرها في المجال الغذائي والطبي وما إلى ذلك. * عدم التدخل إدارياً بضبط الأسعار بما لا يتجاوز التكلفة لمنع الغرر البيّن والغبن الصريح. وأول الحلول هو تفادي الأسباب البارزة المشار إليها. وثانيها وضع ضوابط على السعر الأدنى بحيث لا يتجاوز التكلفة والثالث والمهم، عرض هذه المشكلة على شركات أو مؤسسات اقتصادية وزراعية عالمية متخصصة تقوم بدراسة المشكلة ووضع الحلول المناسبة. والله نسأل: المزيد من التقدم والتطور في ظل حكومتنا الرشيدة التي لا تألو جهدا في خدمة الوطن والارتقاء به في جميع الميادين، وإلى مزيد من الجد والعمل والعطاء من أبناء هذا البلد على كل صعيد وفي كل مجال من أجل خدمته والنهوض باقتصاده.