تحول الحديث عن السعودة إلى جدل غير مثمر، وأصبح هلاميا سهل التطويع وتتجاذبه الأهواء كل حسب غاياته، حتى أفقدته أهدافه. وعندما تناولته الأقلام في صحافتنا المحلية كان هدفها اشراك أكبر عدد ممكن من الأفكار؛ لتداولها وإثراء الساحة في حوار هادف للمصلحة الوطنية العامة، ولكن يبدو لي أن الرياح كانت عاتية فغيرت مساراته وجزأته إلى كتل منفصلة عن بعضها. فتعددت محاوره بتصنيفات فرعية لا تمت إلى الفروع الأساسية (إدارية، فنية، تقنية، مهنية، حرفية)، ولكنها اتجهت نحو تصنيف النشاطات مثل (سوق الذهب، سوق الخضار، سوق الحراج)، وما يثير التساؤل هو هل المقصود ألا يجلب في سوق الخضار أو الذهب إلا منتج سعودي؟ أو أن المقصود العاملون بها فهنا يتوجب تحديد الاختصاص المطلوب سعودته هل هو السائق أم البائع أم المورد؟ وما أقصده بتساؤلي هذا، هو أننا لم نحدد نقاط العجز في عملية الإحلال، حيث نتوجه تارة على سيارات الأجرة وأخرى على المدارس الأهلية وثالثة على المستلزمات النسائية، ولكن علينا أن نلاحظ أن هناك تكتلا فئويا لهذه النشاطات؛ لتعطيل عملية التطبيق للسعودة كانت نتيجتها تأجيل سعودة الليموزين والتراخي في الرقابة على سوق الخضار، والتهرب من التطبيق في سوق الذهب، والتلميح بهجرة استثمارات الصناعيين. والنقاشات التي طال الحوار عليها وهي سعودة المستلزمات النسائية والتي نفذت باستحياء، وكذلك السفر والسياحة من فنادق وشقق مفروشة وقاعات الأفراح وآخرها المطالبة العجيبة من المستثمرين في المدارس الأهلية بتحديد نسبة 25% سنويا للبدء بها في السعودة، وبزيادة 2,5% سنويا؛ للوصول إلى 50% ويكتفون بذلك أي بعد عشر سنوات لا يتحقق إلا النصف، وإذا أحسنا الظن بهم على زعم الاستمرار بنفس النسبة يعني بعد 20 سنة أخرى نكون قد أكملنا ال 50% الباقية. عجبي لمن يطلب ثلث القرن؛ لاستكمال عملية السعودة لديه، وكأنهم من القطب الشمالي، وخاصة أنهم في قطاع التعليم الذي نعول عليه في حل إشكاليات النقص في الكوادر المؤهلة؛ لسد الثغرة التي يعاني منها الجميع، أفلا يهمهم أنين العاطلين ولا تهمهم مصلحة الوطن؟! ألم يقرأ أحدهم ذلك الأنين الذي حمل عنوان (شباب سعوديون يتهمون وزارة العمل بالرضوخ لضغوط رجال الأعمال حول السعودة). وأنا هنا لا أعمم، حيث ما زال في الأمة خيرون حسهم الوطني يعلو فوق الماديات عندما يستجاب للنداء بشروط ميسرة جدا جدا جدا وقابلية التطوير والدعم في العمل وبرواتب منافسة وحوافز ودوام واحد، وتدريب مجاني ومراعاة السكن عند التعيين حسب الإمكانية، وللسعوديين فقط، هذا هو بالتأكيد الرغبة الصادقة في المشاركة الجادة. أما أن توضع العراقيل (وتوضع العقدة أمام المنشار) بأعذار واهية وحجج ضعيفة، فهذا -وربي- تجرد من المسؤولية تجاه الوطن والمواطن، وإن كنت أعيب هذا التراخي في تطبيق السعودة، فأعيده الى عدم حزم وزارة العمل في إصدار قرارات بشأن السعودة ذات قدرة على الاستيعاب للعاطلين، وجادة في التطبيق، ولكن قد أقول عندما تشتد الريح وتتلبد الغيوم يضطر الحكم لتأجيل المباراة.