لا تُسلَّط الأضواء على العظماء فحسب، بل تُسلَّط وبكثافة أكثر على المشاهير، حتى لو كانوا سفاحين. من ذا الذي لا يعرف نيرون وهولاكو وهتلر؟ ولأن لأضواء الشهرةِ إغراء لا يقاوم، يستميت بعضهم كي تُسلط عليه، حتى لو أعمت تلك الأضواء بصرَه وبصيرته. وتتعدد وسائل السعي وراء الأضواء، فلا يحفل بعضهم بوسيلة الظهور، بل بالظهور وحده. والغاية، عند أولئك، تجيز الوسيلة، ولو كانت الوسيلة منافية للقيم الإنسانية الجميلة. يزعم أحد نجوم الفن في هوليود أنه لا توجد ميزة للشهرة سوى أن السبَّاك يأتي عند الحاجة إليه بشكل أسرع قليلا. غير أنه لو سُحب بساطُ الشهرة من تحت قدمي ذلك النجم لبات كئيبا. ولا غرابة أن تجد من يتبنى المبدأ القائل: "اشتمني ولا تتجاهلني"! وأن يسعى جاهدا ليكون شخصية مثيرة للجدل. وقد حقق بعضهم حضورا طاغيا انطلاقا من ذلك السلوك الغريب. ويا بَخْتَ من لقيَ بيئةً حاضنة لا تميز بين الإبداع والطنطنة؛ بيئة تحتفي بالمثير ولو كان نهيقا. في مثل تلك البيئة يمكن أن تشهد استنفارا إعلاميا لو تثاءب فنان من الدرجة الثالثة. لذلك يرى الكاتب التركي عزيز نسين أن البشرَ لا يعطون أهمية لمعنى الكلام أو قيمته، بل لارتفاع المكان الذي قيل منه. لكنَّ نجومية تُبنى على ذلك الأساس الهشّ لا تعمر طويلا. وإذا استثنينا اللاهثين وراء الأضواء، نجد في المقابل نموذجا آخر لا يلاحق الأضواء، ولكنها تسعى إليه طائعة لأنه يستحقها. وهذا هو الفرق بين الشهرة والنجاح. تؤكد الكاتبة الساخرة (إيرما بومبك) هذا المعنى بقولها: "لا تخلطوا بين الشهرة والنجاح. لدينا مثال من مادونا وهيلين كيلر"! ويمكننا أن نملأ هذه المساحة بعشرات الأمثلة التي توضح الفرق بين الشهرة والعظمة. المالُ يفنى والجمالُ يزول. وتبقى، دائما، الشهرة المؤسسة على العبقرية والنبوغ. النجاح هو أن تقدم عملا يترك أثرا إيجابيا في حياة الناس. لذلك فإن الشهرة لك وحدك، أما النجاح فقد يعمُّ نفعه الجميع. غير أن للضوء ثمنه وللشهرة ضريبتها، وقد يحسد الشهيرُ الآخرين على "نعمة" العيش في الظل حين يحرم من الخصوصية. فما أن يعيش المرء تحت الأضواء حتى يصبح محط أنظار الآخرين، وتلاحقه الشائعات، ويغدو موضوعا للقيل والقال. وإذا لم يجد الرقباء والمتطفلون ما يشبع فضولهم اخترعوا قصصا، ونسجوا حكايات. وقد يقول أحدهم في الشخصية الشهيرة ما لم يقله (توم) في (جيري) فإذا رآه تمنى التفاتةً أو تحية منه أو التقاطَ صورة معه. تشرح مارلين مونرو حالها مع الشهرة بقولها: كل أبناء أزواجي تحمَّلوا أعباءَ شهرتي. فهم يقرؤون أحيانا أشياء فظيعة عني، وكنت أخشى أن تؤذيهم مثل تلك الأمور. كنت أقول لهم: لا تخفوا تلك الأشياء عني. أُفضّل أن تسألوني عنها بشكل مباشر. وسوف أجيب عن كل أسئلتكم. وتشبِّه مارلين مونرو الشهرةَ بالكافيار، فمن الجيد أن تتناوله، ولكن ليس في كل وجبة. ويشبِّه أحدهم الشهرةَ بشجرة الفاكهة، طعمها حلو وبذورها مرة. الشهرة والحياة الوادعة سيفان لا يجتمعان في غمد واحد. ولا عجب أن يتذمر بعض المشاهير بأنه لا يستطيع أن يذهب إلى مجمع تجاري ويستمتع بالتسوق، أو بتناول كوبٍ من القهوة هناك كبقية الناس. لذلك فإن الشهرةَ لا تقاوِم العزلةَ بل تكرّسها.