يوم الأربعاء حذرت كريستين لاجارد، العضو المنتدب لصندوق النقد الدولي، من أن الاقتصاد العالمي قد يُظهِر نموًا مخيّبًا للآمال في عام 2015، أساسًا لأن بلدان الأسواق الناشئة سوف تتعرّض للسنة الخامسة على التوالي لنمو متباطئ. لكن لدى تلك الاقتصادات القدرة على تعزيز النمو عن طريق إخراج أجزاء صغيرة من قطاعاتها الضخمة المخفية إلى النور. وفي مذكرة صدرت مؤخرًا، قال الخبير الأول في أوروبا حول اقتصادات الظل، فريديريك شنايدر، جنبًا إلى جنب مع اثنين من المتعاونين، إن رومانيا، الدولة الأكثر غموضًا في الاتحاد الأوروبي، لديها قطاع غير رسمي يعادل 28% من ناتجها المحلي الإجمالي الرسمي. أما اقتصاد الظل في سويسرا الملتزمة بالقانون فيبلغ أقل من 7% من ناتجها المحلي الإجمالي. ويشير تقرير هيئة «النزاهة المالية العالمية» لشهر سبتمبر حول التدفقات المالية غير المشروعة إلى أن اقتصاد الظل في روسيا يمثل ما يقرب من 40 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي - وهو رقم قريب من القيمة العليا من التقديرات الواردة في الأدبيات الأكاديمية - لكن التقرير يظهر أيضًا أن اقتصاد الظل الروسي تقلّص بأكثر من الثلث منذ عام 2001، في السنة التي فرضت فيها روسيا ضريبة الدخل الثابتة بنسبة 13%. ليس من قبيل الصدفة، في السنوات الأولى بعد هذا التغيير، أن روسيا سجّلت نموها الأكثر إثارة للإعجاب منذ انهيار الإتحاد السوفياتي. هذه القوة لم تكن مجرد انعكاس للارتفاع في أسعار النفط، الذي لم يسهم بشكل كبير في تعزيز الاقتصاد حتى عام 2005، بل إنها أظهرت أيضًا آثار نقل جزء من الاقتصاد من قطاع الظل إلى القطاع الرسمي، وذلك عن طريق إزالة الحوافز لإخفاء الرواتب عن السلطات الضريبية. أي شخص سافر إلى جورجيا قبل وأثناء وبعد الإصلاحات التحررية خلال العقد الأول من هذا القرن سوف يتشكّك في أن الاقتصاد تضاعف 3 مرات من حيث حجمه بالدولار بين 2004 و 2008. صحيح أن حياة الناس تحسنت، ولكن ليس بدرجةٍ كبيرة. لكن السبب هو أنها شنت أقوى حملة مناهضة للفساد بعد العصر السوفييتي. بين 2005 و2008 شهدت جورجيا تحسنًا كبيرًا، حيث إن ارتفعت من المرتبة 130 إلى المرتبة 67 في مؤشر تصوّرات الفساد على مقياس الشفافية الدولية. تستطيع البلدان أن تستخدم اقتصاد الظل كمورد للنمو السريع من خلال الإرادة السياسية المحضة.. وتأتي معظم أموال اقتصادات الظل من التهرب من الضرائب في الأعمال التجارية المشروعة. وفقًا لهيئة النزاهة المالية العالمية، في عام 2012، خسرت الهند 5% من الناتج المحلي الإجمالي بسبب التلاعب في فواتير التجارة، وهي الممارسة التي تقوم على الاحتيال في تصريح القيمة الجمركية للسلع المصدرة. وأدى استخدام نفس الممارسة بالاتجاه المعاكس إلى أن يكون لدى الهند تدفق نقدي غير مشروع يعادل 3.3% من الناتج المحلي الإجمالي. وهي أيضًا ليست الدولة الوحيدة الأسوأ من حيث التدفقات غير المشروعة. ويشكّل التلاعب في الفواتير التجارية معظم أرقام هيئة «النزاهة المالية العالمية»، ربما لأنها ممارسة من السهل كشفها. ما عليك سوى مقارنة إحصائيات التصدير والاستيراد لدولة ما مع إحصائيات شركائها التجاريين. ويمكن تطبيق وسيلة أخرى مشابهة على أنواع أخرى من التدفقات غير المشروعة وعلى رأس مال اقتصاد الظل الذي يبقى داخل البلد. لا يقوم ديف كار، كبير اقتصاديي هيئة النزاهة المالية العالمية ومحلل سابق لدى صندوق النقد الدولي، بمقارنة التدفقات غير المشروعة الداخلة في مقابل التدفقات الخارجة.. لكنه يجادل بأن المال الذي يأتي بهذه الطريقة ليس مفيدًا للحكومة، شأنه في ذلك شأن المال الخارج.. لكن هذا أمر منطقي فقط من وجهة نظر حكومية. في الاقتصادات الناشئة، تعيش أعداد هائلة من السكان خارج سيطرة الحكومة.. فهم يشاركون في شبكات فساد، وأعمال تجارية لا ترى الحكومة إلا أجزاء منها، وأسواق غير رسمية ذات سلع قانونية تمامًا. وتكون مستوياتهم المعيشية أعلى بكثير من المستويات التي يتم الإبلاغ عنها في الإحصائيات الرسمية، لكن أوضاعهم متقلبة وغير مستقرة قياسًا بأوضاع المواطنين في البلدان المتقدمة، حيث إن قانون الغاب عرضة لحدوث تغيير غير متوقع، ولا تمتلك الاقتصادات المخفية أي قدرة على امتصاص الصدمات. ويفضل معظم الناس الوضوح وسهولة العيش في ظل اقتصاد قانوني، لكنهم لا يملكون هذا الخيار. ومن المفيد أن نضع في الحسبان فكرة أن الاقتصاديات الناشئة ليست قابلة حقًا للمقارنة مع البلدان المتقدمة، ولا يمكن حتى مقارنة بياناتها المتعلقة بالنمو. وبإمكان كل بلد من الأسواق الناشئة يكون ثلث اقتصاده موجودًا في الظل أن يُظهِر طفرة في النمو في أي لحظة.. لكن قد لا يكون هذا مفيدًا بشكلٍ فوري للناس في ذلك البلد، الذين سوف يشهدون فقط أن جزءًا من ثرواتهم أصبحت شرعية على حين غرة، وسوف يتوازن النمو بمجرد أن يتم بشكلٍ تام احتساب الأثر الناتج عن إجراء معين. وهذا ما حدث في روسيا في العقد الثاني من القرن الحالي، عندما فقدت الحكومة الإرادة السياسية اللازمة لإغراء اقتصاد الظل لينتقل إلى النور. وربما يكون النمو هو المصطلح الخطأ لمثل هذا الانحراف الإحصائي.. قد يكون مصطلح «تحسين الشفافية» هو الأفضل.. صحيح أن اقتصاديات الظل الأصغر حجمًا تعني خدمات حكومية أفضل، وزيادة الثقة بين المواطنين وتجاه بلدهم، لكن على المدى القصير، يؤتي الانتقال (من اقتصاد الظل إلى الاقتصاد المكشوف) ثماره من خلال حوكمة أفضل، وليس من خلال توسّع اقتصادي حقيقي.