اللوحة فضاء زمني يمنحه الفنان مفردات بصرية بمستويات من الخبرة الجمالية فيتحاور معه بلغة إبداعية مفرداتها اللون والخط والظلال والأشكال فيؤرخ عليه تأملاته وخطابه التشكيلي المنطلق من مرجعية فكرية واستثمار مصادر الرؤية وتنوع أمكنتها ومخزونها الثقافي. وبالتحرر من قيود المكان بصورته الواقعية والدخول إلى فضاءاته الداخلية الحية المرتبطة بالجمال الإنساني منذ الأزل, فهي عالمه الخاص يرمي على حوائطه إسقاطاته النفسية لحياته اليومية ومشاعره المتجددة, ولإظهار مهارته في تأسيس الخط واللون ولإيصال أفكاره، بالإضافة إلى بروزها كهدف تزييني تأتي (النقوش الجدارية) على العمارة التقليدية في منطقة عسير لها سماتها الخاصة على الجدران والشبابيك والأبواب بامتداد بصري وخصائص ونسب تُميّز الفكر الإنساني وتأتي كحِرَف جمالية لها أداؤها الدقيق وإرثها الزخرفي في معرض الفنان فهد خليف ( نقش ورقش) بصالة داما آرت بواقع 27 عملا تشكيلياً , فيتواصل مع الزخارف الشعبية على العمارة والمحفورة على المكملات الخشبية القديمة (الأبواب والشبابيك والأعمدة) ابتداءً بالنقطة والخطوط الأفقية والرأسية والمنكسرة إلى الأشكال الزخرفية المثلثة والمربعة والدائرية فيحرص على إظهار تشكيلاتها اللونية والخطية يختزل تفاصيلها بتكرارات وامتدادات لانهائية كسلسلة متواصلة وجسر زمني نعبر عنه لتأمل تفاصيل النقوش المختلفة من منطقة لأخرى رغم التشابه المرئي بينها تتشابك مع بعضها فتتجاور وتتدفق كشرائط لونية بتداخل حيوي وإيقاعات متجددة في ديمومة مستمرة فتتحول من السكون للحركة لتعكس شحنة انفعالية لانتمائه لها. يعمل على توظيف المشهد الزخرفي في نسيج بصري بتداخلات تجريدية مدروسة لزخارف نباتية وهندسية وكتابية لها بعدها التاريخي على المستوى الشعبي وهي نتاج إبداعي تشكل ملامح من التراث العسيري أو ما يسمى لهجة المكان الثقافية ب (فن القط) وهو زخرفة محلية تميزت بوحدات زخرفية متعددة (وحدة حصون وتخريجة وأبو مقص ومشط وغيرها). تعتمد هذه الزخارف على الخطوط والتشكيلات الهندسية في علاقات جمالية لها دلالاتها الشكلية وهي إشارة حية لتفاصيل المكان في منطقة عسير. تظهر عند خليف أجواء الحياة بالثراء اللوني بتوازن لوني حاذق بين الألوان الأساسية والفرعية والحارة والباردة فيندمج الأحمر مع البرتقالي في مناخات محمومة يذوب فيها اللون الأزرق ويتدفق بآفاق مفتوحة باعثا الطمأنينة ويزرع بينها مساحات الأخضر كنوع من الفرح البصري باعثا الأمل والحياة تنغمس على أطيافه اللونية وزوايا جدرانه المزخرفة حروف عربية بمساحيق مذهبة لها بريقها السحري تتناغم في اتصالها مع بعض بخط الثلث بانحناءات جمالية كمسارات بصرية تكسر الرتابة. وفي نفس الوقت استثماره خطابا إبداعيا يقودنا لإشارات نصية وبوح محمّل بأحاديث وحكايا لا تنتهي فدلالات الحرف الصوتية وطاقاته التعبيرية ما هي إلا مخزون لعلاقات إنسانية واجتماعية له كيانه الحي يختزل على ملامحه المشاعر الإنسانية لحوارات تعوضنا هنا عن الغياب الإنساني. ينسج خليف زخارفه كأحزمة لونية زاخرة بالتنوع الخطي كبصمات زمنية وشاهد على اجتهادات الأجداد بملامحهم المنسوجة وتاريخهم الذي أصبح مادة بحثية نستزيد من نماذجه البصرية.