موضوعات روحانية وأخرى مسكونة بالإنسانية ورمزية المكان تقدم لنا نصوصا بصرية بإحساس لوني جميل، في المعرض الثنائي (تزامن) للفنان نهار مرزوق وصادق غالب والفنان التشكيلي محمد الرباط ضيف شرف، والذي اختتم مؤخراً في صالة المركز السعودي للفنون التشكيلية بمدينة جدة بأكثر من 50 عملا. نهار مرزوق: الحرف بمستواه الجمالي والفكري ومشهد ينبض بالحركة. تأتي لوحات نهار بطابعها الخاص وبنيتها التشكيلية المميزة كمدونات خطية يسكنها الحرف بمستواه الجمالي والفكري بخطوطه اللينة، وبصياغات تشكيلية بسيطة متحررا من السلطة الهندسية بإيقاع لوني مريح للعين، ولا يبتعد نهار في أعماله عن أهداف روحانية وأجواء إيمانية نلمحها في القيم الجمالية للحرمين المكي والمدني، يظهر فيها الإنسان بصورة متخيلة أو رمزية في ارتباطه بالدين والصلاة وفعل الخير، نستمد حضوره من الحروف المنسوجة بخطوط مموجة كأنها دوامة لونية أو فسيفساء لونية، كاختزال لطاقة المكان المشحون بمفرداته المعمارية والبشرية، ليمنحه طابعاً جديداً بلمسات شاعرية لها إيقاعها الشكلي الخاص، ففي تجاورها وتقاطعها إشارات رمزية وعلاقات حوارية تبرز صوت الحرف كلغة للتواصل، فتظهر كأدعية أو مناجاة وتسبيحات مستمدة من أصوات الحجاج وحركتهم المستمرة التي لا تنتهي ولا تتوقف في أي وقت تدفقهم يوحي بحياة جديدة، فاتجاهات خطوطه تقودنا لانتقالات بصرية لنتفاعل مع حوارات تحلق بحرية في مشهد حي ينبض بالحركة، متخذا من مرونة الحروف وحركتها مدخلا بصريا يدفعنا لتعددية قراءة منجزه التشكيلي. صادق غالب: المشاعر الإنسانية في أنفاس لونية جريئة في حين نشعر أن اللون الموضوع الأساسي لصادق غالب بدرجاته الجريئة فتضم أعماله كافة الألوان ولكل لوحة عطاؤها اللوني الجمالي المختلف فتحضر الألوان الحارة وتتداخل معها الألوان الباردة؛ لتطفئ من حرارتها والألوان الترابية ويتناثر عليها اللون الأبيض على سطح غني بلمسات فرشاة متنوعة، لأنفاسه اللونية روح ومشاعر كالإنسان فيجسد انفعالات الألوان لرصد الحالة الإنسانية، فإما أن تكون ثائرة أو هادئة مترددة، فهي غير مستقرة تأتي بإيحاءات مبهجة ثم لا تلبث أن تغضب، وتتفلت انحناءاتها من القيود الواقعية ليفسح المجال للانطلاق لأبعاد جمالية، وللوصول إلى إيقاع لوني لا محدود يسمو بأنفسنا ويفتح باب الأمل بحياة جديدة. محمد الرباط: جماليات الخيل وطاقتها الحركية وبصياغات مختصرة تأتي لوحات الفنان محمد الرباط مقتطفة من المفردات البيئية المحلية ومستمدة من الموروث الشعبي ما بين التعبيرية والتجريدية، والرمز لملامح إنسانية وخطوط ذات مرونة بصرية، يعتمد فيها على تعدد أنواع الخطوط وتشابكها لتوحي لنا بالحركة والتجدد لرؤية مفرداته، ولإضافة قيم جمالية وفلسفية لأعماله، يمتلك مقومات تقنيّة إبداعية لعمل عجائن لونية وكتل تظهر بحساسية عالية، ليثري مشهده البصري بقيمة ملمسية يحتفظ على تضاريسها بشيء من أسرار المكان وخصائصه المادية والثقافية، بمعالجة لونية دافئة يلمع بين مساحتها اللون المعدني (الذهبي) كاستعارة للون البيوت الطينية، ولبريق الرمال الذهبية التي تتداخل ألوانها بتدفق حركي يحتفي عليها بجماليات الخيل العربي الأصيل، يستثمر طاقتها الحركية وقوتها وجاذبية خطوطها الانسيابية، فتظهر بمسارات مختلفة تقودنا لإيقاع حركي لا نهائي، فيعلو صهيلها وهي تركض كاحتفالية تعبيرية نستمع لنغماتها بتداخل جميل لصياغات حروفية، يتجاوز فيها الدلالات المقروءة توحي بحضور جمالية الخط العربي وطواعية حروفه التي تظهر بأشكال جديدة مستحدثة. أما تلويناته الدافئة فلها جاذبية جميلة عندما تمتزج بالأزرق الهادئ والفيروزي مع توشيحات مشبعة بالبياض تدعونا للبهجة وانتظار أمل جميل قادم. من أعمال صادق غالب