أحد تداعيات الغضب العارم والجارف؛ هو الدفع بصاحبه في بعض المواقف إلى ارتكاب سلوك أحمق قد يبلغ في بعض الحالات حد الجريمة، وهذا ما يمكن رؤيته واقعيا في تلك الحادثة التي قام بتوثيقها أحد الأشخاص عند إشارة المرور في موقع غير معروف، والتي صورت أحدهم وهو مقبل على شخص ما بآلة حادة ويضربه بها بقوة عنيفة عازما على ما يبدو إرداءه قتيلا.. وهو المشهد الذي تم تداوله عبر شريحة كبيرة من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي. وكان من أبرز التعليقات التي وردت بهذا الشأن -من قبل المتداولين للمقطع- موضوع «الدية» حيث علق كثيرون أن هذا المستهتر مثله مثل كثيرين وقعوا تحت نوبات غضب غير مسؤولة وآبهة، فأقدموا على تنفيس غضبهم العبثي بطريقة عنيفة جدا أردوا معها ضحاياهم قتلا ومن ثم خرج ذووهم لاستعطاف الناس بدفع دية تصل لعشرات الملايين. ولأن العاطفة تسيطر على معظم أحكام الناس وتصرفاتهم نجد فئة كبيرة تتدخل، وتتعاطف، وتساهم بالتبرع بمبلغ معين لتغطية الرقم المطلوب في عتق رقبة الجاني.. ومما يزيد من كارثية المسألة وتفشيها؛ وجود وسطاء معينين في قضايا الدية، يدغدغون الوتر العاطفي للعامة، من خلال تبريرهم جريمة القتل التي حدثت بمبررات معينة، او استعطافهم للناس بدموع ذوي القاتل.. وللأسف فإن بعض هؤلاء الوسطاء (وسطاء الدية) يفعلون هذا الأمر ربما بحسن نية وربما بمنافع معينة، حتى غدا موضوع الدية احيانا كأنه تجارة، إن كان للوسطاء أو لأهل المجني عليه. وليس السوء في قضية الاستغلال والتربح فقط، إنما يتعداه إلى الاستهانة بجريمة القتل والركون الى مبدأ دفع الدية حال حصولها للإفلات من العقوبة، ولا أدل من ذلك حصول حادثة القتل العمد مرة أخرى من شخص تم إنقاذ رقبته بدفع دية مالية كبيرة لأهل القتيل، حيث أقدم على ارتكاب جريمة قتل اخرى بعد افلاته من قضيته الأولى بفارق زمني ليس كبيرا، وقد قال والده بحسرة كبيرة في تعليقه على هذه المأساة؛ ليتني لم أساهم في إفلاته من العقاب على جريمته الأولى.. ولقد كانت محقة بعض الآراء التي ذكرت بأن مبلغ خمسة ريالات او حتى ريال واحد يمثل مبلغا كبيرا لا يستحقه شخص مستهتر اقدم على جريمة قتل تحت تأثير نوبة غضب او نوايا انتقام مرضية.. إن نزعة الغضب المؤذية (بأي صورة كانت) سواء تلك التي تترجم على هيئة رفع صوت او عنف لفظي او جسدي أو حتى اتخاذ قرارات سريعة وانفعالية إنما ينم في نهاية المطاف عن شخصية غير سوية، لا تستطيع التحكم بانفعالاتها، ويجب على المحيطين بهذا النمط من الشخصيات داخل الأسرة، محاولة علاج هذا الخلل النفسي والأخلاقي في فترة مبكرة، فهو في الأغلب يكون ناتجا عن تدليل زائد في مرحلة الطفولة او تراكمات ومشاكل متعددة في مرحلة المراهقة.. أما من يشعر ان لديه مشكلة تتعلق بضعف ضبط الانفعال فعليه ان يحاول سريعا استعادة صحته النفسية والتدرب على الحفاظ على هدوئه في المواقف المتعددة خاصة المستفزة منها.