عن (دار الصميعي) للنشر والتوزيع بالرياض، صدر ديوان بعنوان (مَرَاكِب الْوَلَه) للشّاعر/عبد الإله بن منصور المالك، بطبعته الأولى عام 1434ه. ويحفل هذا الديوان بالعديد من القصائد (العموديّة) و(التفعيليّة) التي ضمها بين دفتيه، والتي تناولت أغراضا شعرية شتى، غير أن الغنائيّة والطابع الوجداني هي السّمَة الغالبة على معظم نصوص الديوان. لكن الجانب الأبرز في تجربة المالك من خلال ديوانه هذا يمكننا إجماله في جانبين: * الأول: الجرس الموسيقي العالي، المعتمد في بنيته الخارجية على الايقاع الشعري المتكرر، الناتج -أساسًا- عن (التقفية) والتمسك بها، في كل نص من النصوص، وما تحدثه أواخر الأبيات (المُقفاة) لدى السامع أو القارئ من نبرة ذات (رِتْم) مُعين، كتابة ونطقا، وهذا -طبعًا- فيما يخصُّ النصوص (التفعيلية) تحديدا، وهذا الأسلوب الشعري الذي انتهجه الشاعر يعني انشداده أو انجذابه انجذابًا واضحًا إلى جذور القصيدة العمودية العربية (التقليدية) التي تقوم بنيتها أو هيكلها الخارجي على (التّقفية)، حتى وإن كان يكتب أو يقول شعرًا (تفعيليًّا) لا يلزمه بتبني هذه الطريقة؛ نظرًا لمرونة الشعر التفعيلي، التي تعفي الكاتب من كثير من القيود الشّكلية المؤطرة للقصيدة العربية الكلاسيكية بشكلها المعروف. * الثاني: (فَعْلَنَة) العمود الشعري الكلاسيكي للنص، أي محاولة تحويل النص العمودي الى تفعيلي، بحيث تبدو القصيدة التفعيليّة وكأنها قصيدة عمودية، وإن تصرف الشاعر هنا في عدد (التفعيلات) الثابتة في كل بحر من البحور (الخليليّة) المعروفة للقصيدة العربية الكلاسيكية، ذات الشطرين، وذات العدد الثابت من التفعيلات في كل شطر بزيادة عليه أو نقص منه. غير أن هذا -في الوقت نفسه- مما يشعر القارئ أو السامع أنه يقرأ أو يسمع شعرًا عموديًّا، وليس تفعيليًّا أو حُرًّا. ومثل ذلك كثير وشائع في الديوان، خاصة في النصف الأخير منه. وكمثال على ذلك؛ قوله في نص حمل اسم الديوان نفسه (مَرَاكِبُ الْوَلَه): أَحْرَقْتُ فِي وَلَهٍ جَمِيْعَ مَرَاكِبِيْ فَإِلى سَوَى عَيْنَيْكِ لَسْتُ أُسَافِرُ هَذِيْ حَقَائِبُ رِحْلَتِيْ مَشْحُوْنَةٌ وَجَمَعْتُ رُوْحِيْ عِنْدَهَا وَأُغَامِرُ وَأُغَادِرُ الْعِشْقَ الْقَدِيْمَ أُغَادِرُ وَأَرُوْمُ قَدًّا مَاثِلاً لِلْعَاشِقِيْنَ إِذَا أَتَتْ أَفْوَاجُهُمْ تَتَقَاطَرُ عِشْقِيْ أَنَا أَيْقُوْنَةٌ تَخْضَلُّ مِنْهُ صَحَائِفٌ وَدَفَاتِرُ. ( الديوان، ص 63). فالقصيدة أعلاه -كما يلاحظ القارئ- تنتمي الى (بحر الكامل) المعتمد في تركيبته (العروضيّة) على (ست تفعيلات) ثابتة العدد في كلا الشطرين، طيلة امتداد القصيدة: ثلاث تفعيلات في كل شطر (مُتَفَاْعِلُنْ مُتَفَاْعِلُنْ مُتَفَاْعِلُنْ). فالشاعرُ هُنا حَافظَ على التزامهِ بعدد تفعيلات (البحر الكامل) الثابتة في الأبيات الخمسة الأولى، لكنه فيما تلا ذلك من الأبيات تصرف في عدد هذه التفعيلات، إمَّا بزيادةٍ أو نقصٍ أو اجتزاءٍ، ثم انّه كذلك قد ظل مُحافظًا -في الوقتِ ذاته- على وحدَتِيْ (الوزن والقافية) التي يرى -هو- وجوب التزامه بها، طوال امتداد مقاطع هذا النص، وإن كان لا يلزمه ذلك في الشعر التفعيلي المتحرر من مثل هذه القيود. وأخيرًا، فإنّ ما يهمنا -نحن كقرّاء ومتذوقين للشعر- أن نقرأ شعرًا يستحقُ مِنّا أن نسميه شعرًا، وأن نتأثر بمضمونه الإنساني، ونقدره بحجم تأثيره فينا، كما تمثّلَ لنا في هذا الديوان، سواء أكان شعرًا عموديًّا أو تفعيليًّا، لا يهم، وبغض النظر عن النواحي الشّكلية تمامًا.