بحسب بعض المقاييس تعتبر الصين منذ الآن أكبر اقتصاد في العالم، مثل مُعادِل القوة الشرائية. من الواضح، مع ذلك، أن النمو في البلاد آخذ في التباطؤ. النمو انخفض من حوالي 10% إلى نحو 8% في عام 2012، وآخذ في الانخفاض مرة أخرى في ظل التباطؤ الحالي. عندما يتعافى البلد من أزمته، كم من التوسع يمكن أن نتوقع قبل أن يستقر بخطى ثابتة لطيفة، بطيئة، مثل، تتوسع كل دولة «معجزة» أخرى سريعة النمو في نهاية المطاف؟ هذا يترك الباب مفتوحا أمام السؤال الكبير حول مدى الغنى الذي ستصبح عليه الصين نسبة إلى البلدان المتقدمة مثل اليابان وفرنسا والولاياتالمتحدة. هذه البلدان الغنية تحتل ما يسميه الاقتصاديون التخوم التكنولوجية. الاقتصادات على التخوم استنفدت بالفعل كل الفرص السهلة والرخيصة للنمو للحاق بالركب. فهي لم تعد قادرة على امتصاص التكنولوجيا الأجنبية بسهولة، أو نقل المزارعين غير المنتجين إلى المدن، أو استخدام معدلات ادخار عالية لتكويم رأس المال (هذه الفرصة الأخيرة تختفي لأن الحفاظ على رأس المال يصبح أكثر تكلفة كلما تحصل على كمية أكثر منه). ومعدل نموها يقتصر أساسا على الوتيرة التي بموجبها يخترع الجنس البشري تكنولوجيات جديدة. ولكن ليس كل البلدان على التخوم متساوية. حتى بين البلدان الغنية وبطيئة النمو، توجد اختلافات كبيرة في مستويات المعيشة. يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في كل من اليابان وكوريا الجنوبية وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، على سبيل المثال، فقط نحو 75 إلى 85% من نسبة الولاياتالمتحدة. ويعتقد معظم الاقتصاديين أن هذه الفجوة ناجمة عن الاختلافات في المؤسسات، أو القواعد واسعة النطاق التي تحكم الاقتصاد. على سبيل المثال، القانون التنظيمي الثقيل في أوروبا أو الدعم الضمني للشركات غير المنتجة في شرق آسيا، كثيرا ما يستشهد به باعتباره من أسباب الوقوف في وجه هذه البلدان من التقارب الكامل مع الولاياتالمتحدة ولكن ماذا عن الصين؟ ما مدى جودة مؤسساتها؟ براد ديلونج، المؤرخ الاقتصادي في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، يسأل هذا السؤال في مقال نشر مؤخرا. كما هو شائع، يبدأ ديلونج بافتراض أن المؤسسات الصينية متشابهة جوهريا مع تلك البلدان الغنية من حولها - اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان: كان يبدو لي دائما أن قدرا كبيرا من النمو الخارق للصين إنما هو مجرد لحاق بالركب للوصول للمستوى الاعتيادي الذي يمكن للمرء توقعه، نظرا للقدرات المجتمعية والتنظيمية في شرق آسيا. وكانت الصين أقل بكثير من تلك القاعدة بصورة مخيبة للآمال.. بسبب جنون عظمة ماو تسي تونغ. ولكن بفضل ماضيها الشيوعي ومقاومة حكومتها للتحول إلى الطابع الغربي، نظام الصين لحقوق الملكية لا يشبه الأنظمة في اليابان، وكوريا الجنوبية، وتايوان. قد يكون أن الصين اخترعت نظاما جديدا تماما سيقوم بالضبط مقام - أو حتى أفضل من - النظام الذي تقوم البلدان الناجحة باستخدامه لقرون عدة. ولكن يعد هذا احتمالا ضئيلا. الرهان الآمن لا يزال هو أن ذلك النظام الغريب في الصين سوف يعيق تقدمها. ويكتب ديلونج ما يلي: يوجد لدى (الصين) نظامها الخاص لما يمكن أن نسميه الإقطاعية الصناعية الجديدة.. لدى أصحاب المشاريع الصينيين حماية عن طريق الولاء لمجموعات اتصال داخل الحزب، وهي حماية لا يرغب الأشخاص الآخرون يإثارة غضبها.. وينبغي لنظام من هذا القبيل ألا ينجح.. ذلك أن تلاشي (حقوق الملكية) ينبغي أن يؤدي (بالنخبة) إلى نفس منطق استخراج المكاسب قصير النظر الذي شاهدناه يعمل مرارا وتكرارا في أوروبا الشرقية وإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب شرق آسيا وجنوب آسيا وأمريكا اللاتينية. بموازنة هذه العوامل، يتوصل ديلونج إلى استنتاج صارخ - وهو أن لدى الصين خمس سنوات فقط متبقية من النمو السريع. وبما أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي للصين هو الآن فقط حوالي ربع مستوى الفرد الأمريكي، خمس سنوات من النمو البالغ 7% - مع نمو الولاياتالمتحدة بمعدل 2%- من شأنه أن يترك الصين في أقل من ثلث مستوى أمريكا المعيشي بحلول الوقت الذي تتباطأ فيه. من شبه المؤكد أن هذا الرقم يبدو أقل من الواقع بكثير. نحن بحاجة إلى أن نأخذ في الاعتبار آثار التكتل الاقتصادي. التكتل يعني أن الشركات تستثمر حيث توجد الأسواق الكبيرة، والعمال ينتقلون إلى حيث لديهم فرص العمل. هذا التأثير المتزايد، وبمجرد أن يبدأ، من الصعب أن يتوقف. من المحتمل لحقوق الملكية الفقيرة في الصين أن تعيق ذلك - كما سوف يفعل حجمها الكبير ومواردها المحدودة - ولكن 30% من نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي يعتبر مفرطا في التشاؤم. أود أن ننظر للصين على أن أداءها سيكون على الأقل في مستوى أداء ماليزيا، التي يبلغ فيها الناتج المحلي الإجمالي الآن حوالي 45% من المستوى الأمريكي. وهذا يعني أن لدى الصين أكثر من عشر سنوات من النمو البالغ 7 في المائة المتبقي، بمجرد أن تتعافى من ركودها. مع ذلك، هناك منذ الآن مؤشرات على أن المؤسسات الصينية قد بدأت في عرقلة البلاد. في أعقاب الانهيار العجيب لسوق الأسهم في الصين والانكماش البطيء لفقاعتها العقارية، بدأت شركات الزومبي تظهر في المشهد. والمقصود بالزومبي هو الشركات التي لا تحقق أرباحا فعلية، وإنما تبقى على قيد الحياة نتيجة تلقيها دفعات متواصلة من القروض الرخيصة من البنوك التي لا تستطيع أن تترك الشركات لتفشل. والبنوك تفعل هذا لأنه في حال انهيار الشركات فإن البنوك ستنهار، والبنوك مهمة لسلامة النظام المالي ولديها علاقات قوية مع السياسيين. تقدم الحكومة الرابطة الأخيرة في هذه السلسلة، من خلال إنقاذ البنوك، وذلك بإبقاء أسعار الفائدة رخيصة، ومن خلال تقديم الإعانات إلى عدد من شركات الزومبي. هذا الفخ وقعت فيه اليابان في أوائل التسعينيات. لكن الصين تصطدم الآن بالمشاكل المؤسسية على الطراز الياباني. وهذا يعتبر مؤشرا مبكرا على أن ديلونج وعلماء الاقتصاد الآخرين هم على الأرجح مصيبون بخصوص الصين. والإجراءات التي اتخذها صناع السياسة لن تجعل الصين غنية. ما تزال الصين فقيرة إلى درجة أن أمامها فترة لا بأس بها قبل أن تتوقف عن النمو. لكن حين تتوقف فإنها على الأرجح لن تكون بلدا غنيا.