مشاهدات غير عابرة في الصين- 4 يمتد تاريخ الصين الى ما يزيد على 5000 سنة وهو تاريخ معقد ومتشعب، عاشت فيه الصين مراحل من التفرق والوحدة، وشملت حدودها مساحات مختلفة من شرق آسيا. وتقلبت الصين خلالها بين الانطواء على ذاتها والانفتاح على الخارج، مع إيمانها بأنها محور العالم و"المملكة الوسطى"، وكان الصينيون يعتقدون بأن الحضارة لا يمكن أن تقوم إلا على ضفاف النهر الأصفر (أهم أنهار الصين)، وأن غيرهم مجرد أقوام بربرية عليها أن تتبعهم. يبدأ تاريخ الصين عادةً بالحديث عن الملوك الأبطال مثل الإمبراطور الأصفر (ياو)، وقصص هؤلاء الملوك تخلط الحقائق بالأساطير ومن الصعب الجزم بوجودهم من عدمهم. واستحق هؤلاء الملوك الحكم لأنهم ساعدوا في تقدم الحضارة، حيث علموا الناس استخدام الآلات والتكيف مع الطبيعة. ثم أسس آخرهم لحكم سلالته، وجاء بعد هذه السلالة عدد من السلالات الاخرى التي حكمت الصين. وتطورت فلسفة "تيان مينق" أو تكليف السماء للحاكم، والسماء كانت ترمز إلى الإله الأكبر عند سلالة شانق التي حكمت من عام 1600 إلى 1046 قبل الميلاد. ويطلقون على إلههم اسم "شانق دي"، ويعتقدون بأن الآلهة الآخرين يرجعون إليه، وإليهم يرجع أسلاف الشانق، والذين يتصل بهم حكام الشانق عن طريق القرابين. وإن كان اعتقاد الصينيين بالسماء يحتوي على معانٍ مختلفة ومتغيرة من وقت لآخر، فبعضها يرمز إلى محل سكن آلهتهم والبعض الآخر إلى الطبيعة ونواميسها. وتكليف السماء أصبح يستخدم لتبرير حكم أي سلالة متغلبة، بدليل انتصارها العسكري (مما يعني تأييد السماء لها). وكانت السلالات الحاكمة تتخذ لقباً لدولها يرمز إلى معنى ما أو منطقتها أو مدينتها، ويكون التأريخ خلال عهدها منذ توليها للسلطة. في آخر عهد سلالة جو، والتي حكمت بشكل قوي من عام 1046 إلى عام 771 ق.م.، بدأ التفرق يدب في أرجاء مملكتهم. وأصبح حكام المناطق يستقلون بحكمها ويعلنون أنفسهم ملوكاً، مما أدى إلى ظهور مئات الممالك الصينية في العهد الممتد من عام 771 إلى 476 ق.م. والمعروف باسم فترة الربيع والخريف، نسبة إلى كتاب شهير أرخ لهذه المرحلة. وعمت الحروب بين هذه الممالك لسنوات طويلة إلى أن نجحت سبعة منها بالتغلب على البقية وضم أراضيها، في العصر الذي سمي بعهد الممالك المتحاربة الممتد من عام 476 إلى 221 ق.م. وخلال هذا العصر انتشر ما يعرف بالمدارس الفكرية المائة، والتي كانت تطرح أفكارا وفلسفات متنوعة في كيفية تنظيم الحياة وإصلاح المجتمع الصيني وإنهاء الحروب. وظهر خلالها الفيلسوف الصيني الشهير كونفوشيوس والذي طرح فلسفته التراثية في تنظيم العلاقات الصينية، والعودة إلى التقاليد والشعائر القديمة وتعليمها، ولعل أفضل تلخيص لفلسفته مقولته: "أنا أنقل ولا أبتدع". واشتهر لاو تزا والذي يعتبر أهم رمز للتاوية أو الداوية، وداو في اللغة الصينية تعني الطريقة، وكان لاو يطرح فلسفة سلبية جبرية تدعو إلى عدم التعلم وترك الأمور تجري كما هي، وعدم محاولة التدخل بل التناغم مع الطبيعة. والفيلسوف الشهير سون تزو مؤلف كتاب فن الحرب، والذي طرح أفكاراً استراتيجية ما زالت مهمة ويستفاد منها في الحروب والإدارة. وظهر كذلك فيلسوف يدعى يانق جو يعتقد بالأنانية وأن على كل شخص أن يعمل لمصلحته، وبذلك يصبح العالم مكاناً أفضل، ونظريته تشبه إلى حد كبير الرأسمالية الليبرالية، وإن كان يبالغ فيها بمقولته بأنه إذا كان يستطيع أن ينقذ العالم بنتف شعرة من رأسه فإنه لن يفعل ذلك!