أعود إلى أستاذي في التفسير بلا منازع أقصد الإمام الطبري الذي رأيت في منهجه عجبًا، فلأول مرة أطَّلع على (قواعد الترجيح)، هكذا افترعتُ هذا المصطلح دون سابق اطلاع على من سبقني إليه، وهكذا دوَّنت عنوانًا في أولى صفحات الكتاب البيضاء، ورحت أجمع هذه القواعد، وياللعجب، لقد اجتمع عندي كمٌّ كبير منها، وصرت كلما رأيتها قلت: أين أنا من هذا؟! إن هذا التفسير كان يقبع في مكتبتي منذ زمنٍ، فما بالي لم ألتفت إليه؟ صحيح أن الطبعة التي اقتنيتها أول الأمر كانت مصورة عن طبعة بولاق، وكانت صعبة القراءة بالنسبة لي، ثمَّ منَّ الله عليَّ فرأيت طبعة البابي الحلبي في مكتبة (عبدالشكور فدا) بمكة أيام كانت أمام باب العمرة، لكني ترددت في اقتنائها، ولم أقتنها آنذاك، وكان من حظي أن يسافر أخي محمد بن عبدالعزيز الخضيري إلى مكة، فأطلب منه أن يجلبها لي، فجلبها لي (سنة 1410ه)، وكانت هي التي بين يدي لفترة طويلة، ولا تزال عندي إلى اليوم. أثناء سنة (1411ه) جاءني مجموعة من الطلاب يريدون درسًا خاصًّا في البيت، فشرحت لهم (مقدمة في أصول التفسير) لابن تيمية، ثم اقترحت عليهم أن أجمع بعض مسائل (أصول التفسير)، وألقيها عليهم لنتدارسها، وكان أول درس في ذلك (أسباب اختلاف المفسرين)، ثم (قواعد الترجيح) فكانت تلك بداية الجمع لمادة أصول التفسير عندي، وكان أكبر عون لي في أمثلته ثلاثة كتب كنت آنذاك قد قرأت جُلَّها، وهي تفسير الطبري (ت:310ه)، وتفسير ابن عطية الأندلسي (ت:542ه)، وتفسير الشنقيطي (ت: 1393ه). لقد كان استخراج الأمثلة أثناء القراءة أكبر عون لي بعد توفيق الله في جمع موضوعات أصول التفسير، وكانت قواعد الترجيح من الموضوعات التي ألقيتها في عام (1411ه) أكثر من مرة، فمرة على هؤلاء الطلبة الذين سبق ذكرهم، ومرة في محاضرة في جامع الراجحي في حي الملك فهد، ومرة على طلاب النشاط في الكلية، وبهذا تبلورت فكرة هذه القواعد أكثر وأكثر، وصرت أستخرجها من تفسير الطبري ومن غيره شيئًا فشيئًا. ومن لطائف قدر الله أني عرضت فكرة قواعد الترجيح على أحد أساتذتي في كلية أصول الدين بجامعة الإمام لتكون لي رسالة الماجستير، فأرشدني إلى أن أجعلها للدكتوراة؛ لأن موضوعها طويل، فتركتها لرأيه، واشتغلت بموضوع (وقوف القرآن وأثرها في التفسير).