يشير معظم الدراسات والبحوث إلى أن مخاطر فقر الطاقة العالمي قد تزداد في السنوات القادمة، لذلك تعكف العديد من المنظمات والهيئات الدولية على تمويل مشاريع الطاقة بكل أنواعها للبلدان النامية، إضافة إلى ذلك هناك العديد من المبادرات المبذولة لتغيير هذا الوضع المتردي، ومن بينها مبادرة «الطاقة المستدامة للجميع» ومبادرة أوفيد «الطاقة من أجل الفقراء». وكشف تقرير خاص -حصلت عليه «اليوم» من صندوق الأوبك للتنمية «أوفيد» أعدته سمر خان باحثة الدكتوراة في مجال الطاقة- أن 23 مليون نسمة لا تتوافر لهم الكهرباء، و68 مليون نسمة لا تتوافر لهم مرافق الطهي النظيفة في أمريكا اللاتينية، بينما 621 مليون نسمة لا تتوافر لهم الكهرباء، و727 مليون نسمة لا تتوافر لهم مرافق الطهي النظيفة في أفريقيا جنوبي الصحراء الكبرى. كما أفرز التقرير أن 304 ملايين نسمة لا تتوافر لهم الكهرباء، و815 مليون نسمة لا تتوافر لهم مرافق الطهي النظيفة في الهند، بينما 3 ملايين نسمة لا تتوافر لهم الكهرباء، و448 مليون نسمة لا تتوافر لهم مرافق الطهي النظيفة في الصين، فيما 18 مليون نسمة لا تتوافر لهم الكهرباء، و8 ملايين نسمة لا تتوافر لهم مرافق الطهي النظيفة في الشرق الأوسط، وفي بلدان آسيا النامية يوجد 620 مليون نسمة لا تتوافر لهم الكهرباء، و1875 مليون نسمة لا تتوافر لهم مرافق الطهي النظيفة. وتشير العديد من الدراسات إلى أن نصيب البلدان غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي سوف يرتفع من 55 في المائة إلى 65 في المائة في عام 2035، وستكون الصين من أكبر البلدان نمواً في استخدام الطاقة عالمياً، إذ سيزداد الطلب على الطاقة في الصين بنسبة 60 في المائة بحلول عام 2035. يتضمن هذا التقرير بعض القصص الواقعية التي حصلت عليها سمر خان من «أوفيد» عن أشخاص وعائلات كانت تعاني من فقر الطاقة في مختلف دول العالم، وكيف تحسنت حياتهم بشكل عام؛ بسبب عدة مشاريع للطاقة كان أوفيد أحد الداعمين لها. 75% من سكان نيبال يطهون بالحطب يستخدم حوالي 75 في المائة من سكان نيبال الذين يبلغ عددهم حوالي 7.5 مليون نسمة الحطب للطهو، مما يؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة نتيجة الغازات التي تنتج عن احتراق الحطب داخل المسكن، وعلى رأسها غاز أول أكسيد الكربون الذي يسمى ب»القاتل الصامت». وتعتبر النساء والفتيات من أكثر الأشخاص تضرراً؛ لأنهن يخرجن يومياً لجمع ما يكفي من الحطب لإعداد الطعام لأسرهن، إضافة إلى ذلك يتسبب تلوث الهواء الداخلي في المنازل في وفاة حوالي 7.500 نيبالي في السنة. وللتخفيف من هذه المشكلة قام أوفيد بتقديم منحة قدرها 500 ألف دولار لدعم مشروع لتحسين مواقد الطهو. ومن شأن هذه المواقد المحسنة أن تخفض استهلاك الوقود الحيوي بحوالي 55 في المائة، وبالتالي خفض نسبة تلوث الهواء الداخلي وعدد الوفيات. ويعمل «أوفيد» بشكل وثيق مع حكومة نيبال منذ عام 1976، لمساعدتها على زيادة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، حيث استفادت حكومة نيبال من القروض الميسرة التي قدمتها أوفيد في مجالات مختلفة كالزراعة، المياه والصرف الصحي، النقل، التعليم والطاقة. مشروع مواقد الطهو المحسنة قضت السيدة (ياسودا تامراكا) من قرية (دومادا) في نيبال شطراً كبيراً من حياتها تحتطب من الغابة، وكانت تقضي نحو 6 ساعات يومياً في جمع الحطب وتحمل على ظهرها حوالي 50 كيلو جراماً من الحطب. وبسبب الدخان المنبعث من نار الطهو داخل المنزل فإن عينيها ملتهبتان باستمرار، كما أن أطفالها يسعلون بشكل دائم، بالإضافة إلى ذلك فإنه يتعين عليها القيام يومياً بتنظيف الأواني التي اسودت من جراء طريقة الطهو التقليدية. وتتكرر هذه المعاناة مع مئات الآلاف من النساء والأطفال في المناطق الريفية الفقيرة في نيبال. وكانت عائلة (يسودا) من بين المستفيدين الكثر من مواقد الطهو المحسنة التي وفرها لهم هذا المشروع، وتقول (يسودا): «إن هذا المشروع قد غير حياتها فهي تمضي لجمع الحطب مرة واحدة فقط في الأسبوع وتحمل حملاً أقل وزناً، وقد مكنها هذا من أن تقضي وقتاً أطول مع أطفالها». وتقول أيضاً: «ليتني ابتعتُ هذا الموقد في شبابي، إذاً لكانت حياتي أفضل بكثير». تماشياً مع ما تبين من أن مشروعات التنمية تؤتي ثمارها وتكون نتائجها أفضل عندما تنطوي على مساهمة ولو بسيطة من المستفيدين، بدلاً من المنح المجاني للأدوات والمعدات، فإنَّ هذا المشروع يقوم على المساهمة المشتركة بين العائلة المستفيدة استناداً إلى الوفورات المتحققة من استخدام هذه المواقد المحسنة، وبين أوفيد التي تقدم دعماً لتمويل شراء الموقد من قبل الأسر محدودة الدخل، يغطي القسم الأكبر من التكلفة. نصف القروض الميسرة لأفريقيا تواجه المجتمعات الافريقية تحديات كبيرة في نقص الاحتياجات الأساسية للحياة، فنسبة من يعيشون في فقر في منطقة جنوب الصحراء الإفريقية الكبرى هي الأعلى على مستوى العالم، حيث يعيش أكثر من 40 في المائة من الأسر الإفريقية في فقر مدقع على أقل من دولار واحد يومياً، لذلك تستقطب أفريقيا حوالي 50 في المائة من القروض الميسرة من صندوق أوبك للتنمية الدولية (أوفيد). وقام «أوفيد» بالتعاون مع منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) بتمويل مشاريع طاقة شمسية لتوفير الكهرباء ل 75 مدرسة في عدد من المناطق الريفية في بنين، مدغشقر، توغو وموريتانيا، وقد استفاد من المشروع حوالي 19.500 طالب وطالبة و750 معلما ومعلمة في المدارس الابتدائية والمتوسطة. يقول أحد المهندسين العاملين على المشروع (بامفيلي كاباتينون): «يعيش سكان المناطق الريفية في أفريقيا تحت ظروف صعبة جداً بسبب عدم توفر الكهرباء، وسيوفر مشروع الطاقة الشمسية الذي نفذته اليونيسكو وقامت أوفيد بتمويله لهؤلاء مصدراً للطاقة وبالتالي ستتغير حياتهم بشكل جذري». وتضيف إحدى معلمات المدارس المستفيدة من مشروع الطاقة الشمسية (جوزيفين أسويي): «قبل توفر الكهرباء في المدارس كان عدد الطلاب قليلاً جداً، بإمكاننا الآن استقبال وتعليم عدد أكبر من الطلاب». ويضيف مدير المدرسة (أسيدو جونسون): «كنا نعيش في ظلام قبل هذا المشروع، وجميع سكان القرية يقدرون ذلك ونتمنى أن تستمر هذه المبادرات لأنها غيرت حياتنا للأفضل». إضافة إلى ذلك أصبح بإمكان المعلمين والمعلمات والطلاب استخدام أجهزة الحاسب الآلي وتصفح الانترنت. مشروع الطاقة الشمسية بالمدارس ونظراً لتوفر الكهرباء في مدارس المناطق الريفية بأفريقيا، تقوم النساء باستغلال الفصول الدراسية في المساء لإقامة العديد من التجمعات وتعلم القراءة والكتابة وتبادل المعلومات، وهو ما خفض معدلات الأمية بين البالغين في تلك القرى. وبفضل هذا المشروع تم تخصيص حصص دراسية لتعليم أطفال الأسر الفقيرة الذين يضطرون إلى العمل خلال النهار، أو لاستيعاب الأعداد الكبيرة من التلاميذ الذين لا تتسع مرافق المدرسة لهم جميعاً في فترة تعليمية واحدة. ولضمان استمرارية المشروع، تم تدريب تقنيين ومستخدمين من المجتمع المحلي للقيام على صيانة المعدات وإطالة أمد استخدامها. تجدر الإشارة إلى أن (أوفيد) وبالنظر إلى المخرجات الإيجابية للمشروع المذكور قدَّم منحة ثانية لتوسيع نطاق هذا المشروع إلى عدد من البلدان الأخرى في إفريقيا وآسيا، هي كمبوديا، وجيبوتي، وملاوي، ومالي، وتيمور الشرقية، هو قيد التنفيذ من قبل (اليونسكو) في الوقت الحاضر. غامبيا ومشروع إنارة الطرق كان لتمويل «أوفيد» عدد من مشاريع الطاقة في غامبيا أثر كبير من النواحي الاقتصادية والاجتماعية، ومن بين تلك المشاريع تمويل بمبلغ خمسة ملايين دولار لإنارة الطريق من مطار عاصمة غامبيا (بانجول) إلى المدينة، على مسافة 29 كيلومتراً. وبعد إتمام المشروع، زار مقر أوفيد في فيينا وفد من غامبيا لتقديم الشكر لمدير عام الصندوق سليمان الحربش، وأعلموه أن مشروع إنارة الطريق هذا قد ساعد على خفض معدلات الجريمة بنسبة 50 في المائة. أنابيب الغاز في أرمينيا ودموع السيدة «أناهيد» ساهم مشروع مد أنابيب الغاز إلى عدد من الأقاليم في أرمينيا في مساعدة العديد من العوائل، وقد زار وفد من «أوفيد» مدينة (لوري) التي تبعد عن العاصمة حوالي ساعتين بالسيارة. وكان في استقبال الوفد أهالي المنطقة ودعتهم على الغداء سيدة أرمينية تدعى (السيدة أناهيد)، استقبلت السيدة أناهيد الوفد بالترحيب وأعدت الغداء على موقد الغاز المثبت حديثاً في بيتها. وأثناء تناول الطعام، سألها سليمان الحربش عن صورة شاب معلقة على الحائط، فدمعت عينا السيدة أناهيد وقالت: «هذا ابني، وقد توفاه الله بسبب سقوط شجرة على رأسه أثناء جمعه للحطب». ولدى مغادرة الوفد قالت: «لن أقلق بعد اليوم على سلامة أحفادي لأنهم لن يذهبوا إلى الغابة للاحتطاب، فقد وصل الغاز إلى بيتنا». وتقديراً لجهود أوفيد، قام رئيس أرمينيا بتكريم سليمان الحربش بمنحه وساماً مخصصاً للمبادرات المتميزة في القطاعات الاقتصادية، الهندسية، التكنولوجيا والابتكارات المرموقة. وفي ختام تقريريها، قالت سمر خان باحثة الدكتوراة: عندما ينقطع التيار الكهربائي عن منازلنا لدقائق نشعر وكأن الحياة توقفت فنصبح في حالة استنفار وتذمر، وننسى أن هناك جزءاً من العالم يعيش حياته كل يوم دون مصدر للكهرباء، أو ما زال يستخدم الطرق البدائية للطهو والإنارة. وأضافت: «أخيراً.. فإنَّ أكثر ما يُحزنني أنه على الرغم من هذه القصص التي نسمعها باستمرار عن أشخاص لا تتوافر لديهم مصادر للطاقة، إلا أن الكثير لا يزال غير مقتنع بأهمية ترشيد استهلاك الطاقة. على الجميع أن يعلم أن ترشيد الاستهلاك هو اتباع للمنهج الاسلامي الذي يتمثل في الوسطية والاعتدال في أمور حياتنا، يقول الله سبحانه وتعالى: «وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا». وكما نرى اليوم فإن العديد من الدول ما زالت تفتقر إلى مصادر الطاقة وبالتالي تأخرت اقتصادياً وحضارياً، إن المتأمل في هذه القصص الإنسانية ليجد أن الاسراف في الاستهلاك سيؤثر سلباً على جميع دول العالم وستزداد حدة الفقر إلى مصادر الطاقة مستقبلاً لو بقي استهلاك العالم للطاقة في ازدياد». سليمان الحربش مع رئيس أرمينيا سيرج سركسيان أم نيبالية سعيدة لأن إعداد الطعام على الموقد المحسن لن يتسبب في مشاكل صحية لعائلتها